مصاريف الدراسة الجامعية في هذه الأيام لا تطاق، فمن مستلزمات متابعة الدروس من أوراق وأقلام ودفاتر، إلى تكاليف المواصلات، وإيجار السكن، وما يتبعه من أمور معيشية أخرى بات على الطالب إما أن يكون ابن أسرة ميسورة أو أن يعمل ليكفي حاله. بعض الطلاب يعتمدون على معونة أسرهم، والبعض يعمل وآخرون يعتمدون على المنحة الجامعية التي تصرف لعدد غير قليل من الطلاب بعد دراسة حالاتهم، فيأتي مبلغ المنحة ليسد رمقهم. 550 ديناراً هو المبلغ الإجمالي للمنحة الجامعية لطلاب الجامعات في المرحلة الأولى أي سنوات الدراسة الأربعة الأولى، وهي تقارب ال400 دولار، لكن هذا المبلغ يتضاعف في مرحلة الماجستير والدكتوراه، ليصل إلى 1400 دينار تونسي، أي ما يعدل 1100 دولار. هذا المبلغ يعتبر قليلاً مقارنة بما يلزم الطلاب خلال عام دراسي حافل، يقضي فيه الطلاب أكثر من نصف وقتهم إما بين المكتبات ينسخون محاضرات الأساتذة التي تكاد تكون أشبه بحصة إملاء لتلاميذ في المرحلة الابتدائية، أو في مقاهي الانترنت للبحث عن معلومات وإعداد بحوث ودراسات تفيدهم في دراستهم. حاجة الطلاب الى المبلغ تختلف بحسب توافر الظروف المناسبة التي تميز وضعية كل واحد عن الآخر. فهاجر الطالبة في معهد الصحافة لا تحتاج لكامل هذا المبلغ الذي يبقى منه 50 ديناراً شهرياً، تنفقها على نفسها. فهي تقيم في منطقة المرسى، في تونس العاصمة، وليست مضطرة للسكن في مساكن الطلاب أو استئجار منزل، كما أنها غير مضطرة للصرف على مواصلاتها اليومية، لأنها كغيرها من الطلاب تحصل على اشتراك سنوي في المواصلات كالمترو والحافلات. لكن الوضع يختلف مع من يؤمون العاصمة للدراسة. فهؤلاء مضطرون للسكن في المبيتات الجامعية المنتشرة في كل مناطق تونس العاصمة وبخاصة بالقرب من الجامعات. ويوفر ذلك عليهم مصاريف التنقلات، وحتى وجبات الطعام، إذ أن معظم المبيتات الجامعية تضم مطاعم، تقدم وجباتها بأسعار رمزية. أسماء، وهي أيضاً طالبة في معهد الصحافة وعلوم الأخبار، انتقلت منذ عامها الأول للسكن في مبيت البساتين المحاذي لجامعة منوبة. حصلت على منحة جامعية، لكن هذه المنحة لم تعد تكفيها في عامها الثالث، فهي أصبحت مضطرة لإيجار منزل مع صديقات لها، لكون المدة المسموحة للإناث للإقامة في السكن الجامعي هي عامان لا أكثر، وعام واحد للشباب. لذا فالبحث عن صديقات للاشتراك معهن في سكن متواضع، ومن ثم البحث عن سكن بسعر مناسب لصديقتيها كان من أولوياتها هذا العام، والمشكلة ليست هنا، فهي بعد أن كانت تدفع وعلى ثلاث دفعات مبلغاً رمزياً مقابل غرفتها الصغيرة المشتركة في السكن الجامعي، صارت تدفع أكثر من خمسين دولاراً شهرياً لاستوديو صغير عبارة عن غرفة وصالة، تقتسمه مع صديقتيها. وبعد أن كانت تدفع ما يقارب 80 دولاراً سنوياً صارت تدفع 500. وهذا مبلغ يتخطى مبلغ المنحة الجامعية بكثير. ولا يتضمن المبلغ المصروف اليومي أو مستلزمات الدراسة لعام كامل ولا حتى فواتير الكهرباء والماء. ليس فقط مبلغ المنحة هو المشكلة بالنسبة للطلاب، فحتى التوقيت الذي يدفع فيه غير مناسب، مع أنه في هذا العام تم تقديم موعد صرف المنح الجامعية إلى شهر تشرين الأول أكتوبر، لكن ما الفائدة إن لم يكن هذا المبلغ مع بداية العام الدراسي، لكي يتمكن الطالب من استغلاله في ما يلزمه من حاجات مختلفة، خصوصاً الفارق بين بداية العام الدراسي وموعد دفع المنح أكثر من شهر، وهي الفترة التي يقع فيها الطالب في فخ المصاريف التي لها أول وليس لها آخر. مبلغ المنحة لم يعد كافياً، والمبلغ نفسه لم يتغير صعوداً منذ سنوات طويلة. كان يؤمن حياة مريحة للطلاب قبل عشر سنوات أو أكثر، ولم يعد كافياً لسداد مصاريف شهر واحد من مصاريف أي طالب، خصوصاً مع ارتفاع تكاليف الحياة في شكل كبير. لذا يضطر كثير من الطلاب إلى الاستفادة من القرض الدراسي الذي يمنحه ديوان الخدمات الجامعية لكن من شروطه أن يعمل ولي أمر الطالب في وظيفة ثابتة، يحصل من خلالها على التغطية والضمان الاجتماعي.