لعل احداثيات الهوية في التركيبة الانسانية تولد حالة من التفجر في الاسئلة التي يواجهها صاحب الهوية. يحدث هذا حينما يغادر صاحب الهوية مكانه الجغرافي الذي وسمت به روحه تاريخيا، الى جغرافيا أخرى، لها معطيات مختلفة وربما ضاربة في العمق للتركيبة الاساسية لهذه الروح. في هذا الاطار، قد تكون"أميركا"وهي تمتلك مغنطة الاغواء في الاقامة واعادة تشكيل الحياة منذ قيامها، وحتى الآن، هي أحد اهم الأماكن في العالم التي تقوى على تفجير الاسئلة المتعلقة بالهوية"تبعاً لاختلاط الأعراق والهويات فيها". ربما هذا هو الاساس الذي تهجس به الروائية الاميركية ذات الاصل الصيني آمي تان في روايتها الصادرة حديثاً بالعربية عن دار أزمنة للنشر، وعنوانها نادي البهجة والحظ". نلحظ ان هذه الرواية تهجس وفي مجمل فصولها برغبة العودة لاسترداد المشهد الاول للهوية، ربما هروباً من الفشل الذريع الذي وصلت اليه اميركا في تذويب الهويات الآتية اليها، او على الاصح هروباً من النظرة العرقية النائمة في بطن حضارة الرجل الابيض الاميركي ازاء الاعراق والشعوب الأخرى. وفي هذا الاطار تقول ليندو جونج، احدى شخصيات الرواية عن ابنتها التي تأمركت بطريقة مهجنة"إنه خطأي أنا انها كبرت على هذه الحالة، كنت أريد لاطفالي افضل تركيبة، ظروف حياتية أميركية وشخصية صينية. كيف لي أن أعرف ان الاثنين لا يمتزجان؟". هذه المفارقات الجارحة في الاقتراب من المكان الاميركي ومحاولة الذوبان فيه من جهة، ومن جهة أخرى تلقي صفعة الذاكرة المقيمة في الروح، وقسوة عدم القدرة على التشكل في جمع الحاليتن. إن رواية"نادي البهجة والحظ"التي تهديها آمي باتي الى ذكرى امها، هي رواية الامهات بامتياز، ذلك أن ما من فصل ضمته الرواية الا كانت شخصية الام هي الشخصية التي تتناسل منها الشخوص والاحداث، الى الدرجة التي يبدو فيها الحضور النسوي طاغياً في تفاصيل الرواية. تشكل الامهات في الرواية الذاكرة الحميمة للمكان الاول الصين، وهن الحكاءات اللواتي يعلو صوت سردهن في الرواية، على رغم ان الناطقة باسم سرد الحكاية هي الابنة الاميركية المولد. والغريب أن الابنة الساردة هي أسيرة نطق الأم واسيرة حكمتها التي تبدو كأنها أبدية. تحضر الحكمة الكونفوشوسية في نطق الامهات في رواية آمي تان، وأيضاً يحضر سحر الشرق المُتمثل بالصين، وفي حكاياه الساحرة والفريدة، في كل فصل من فصول الرواية. وتذكرنا هيمنة الامهات وقسوتهن في رواية"نادي البهجة والحظ"، بقسوة الأم في رواية"عازفة البيانو"للكاتبة الالمانية صاحبة نوبل الفريدة ييلنك، حيث نلحظ ان بطلة هذه الرواية تعيش كابوس هيمنة أمها وقسوتها في واجبية تعلم العزف على البيانو. وها هي الام في فصل عنوانه"صنفان"تحاول فيه الام ان تصنع من ابنتها فتاة خارقة، وباجراء اختبارات متتالية لها، لكن الابنة تحاول افشال ذلك:"بعدما رأيت خيبة الأمل ترتسم كثيراً على وجه أمي، بدأ شيء يموت في داخلي، كرهت الاختبارات، الآمال التي ترفعنا لأعلى والاخفاق الذي يليها". لعل الهجس بقسوة القمع الامومي يتبدى واضحاً في فصول الرواية، وقد يرجع هذا في أساسه الى رغبة الام في استعادة التوازن لروحها التي انقسمت بين جغرافيا راسخة هي الوطن الام الصين، وجغرافيا مقترحة عليها وعلى سلالتها، هي"أميركا".