في 1996، بلغت نيتا سن الثامنة عشرة. وكانت تقيم وزوجها وابنتها الصغيرة في برستينيا، قبل اندلاع الحرب بين"جيش تحرير كوسوفو"والقوات الصربية. ورحّلت ميليشيا صربية ميلو، زوج نيتا، ووالدها الى معسكر اعتقال. وانتزعت الميليشيا ابنة نيتا منها. وتوالى مقاتلو الميليشيا على اغتصابها وسبع نساء اخريات. وبعد الاغتصاب، رميت نيتا من سيارة على مقربة من الحدود الألبانية. وآواها رجل من الجوار في منزله. ورافقها في جولة على المعسكرات للبحث عن والدها وزوجها. ولكن جهود نيتا باءت بالفشل. وشعرت بالامتنان لمساعدة الرجل لها، ووثقت به. وذات يوم، عرض هذا الرجل على نيتا مرافقته في مركب بحري. فوافقت. وفور صعودها الى المركب، ارتابت نيتا في نيات هذا الرجل. وبدأت في الصراخ. فضربها أحدهم على رأسها، وفقدت الوعي. وعندما استيقظت وجدت نفسها في ايطاليا، وتبين لها أن هذا الرجل باعها الى شبكة قوادة تتاجر بالنساء. وبقيت نيتا ستة أعوام أسيرة شقة في مدينة ايطالية، وأرغمت على البغاء في الأزقة"مثل الحيوانات"، على حد قولها. ولم تعرف نيتا في أي مدينة ايطالية تعمل. فهي لا تتكلم الايطالية، ولا تملك أوراقاً ثبوتية تخولها اللجوء الى الشرطة. فحاولت الهرب من القواد. ولكنه لحقها وضربها ضرباً مبرحاً. وذات يوم، ابتسم لها الحظ، فركبت في سيارة رجل زعم أنه يعرف زوجها ميلو، وأن الزوج يعيش في لندن. وفي البدء لم تثق نيتا بهذا الرجل. فتردد عليها طوال شهر، ثم دبر عملية هربها من العصابة، وأقلها في سيارته الى لندن، وأعطاها ثمن مخابرة هاتفية. هاتفت نيتا زوجها فجاء لاصطحابها. ولم تسأل نيتا زوجها كيف أمضى الأعوام الماضية، ولا كيف نجا من المعتقل. فهي خشيت ان يسألها عما حل بها منذ فراقهما. ولكنه سرعان ما اكتشف ما تخفيه عند تعبئتها طلب اللجوء الى بريطانيا. ولم يتقبل ميلو الواقع. فانهار زواج نيتا، وبقيت وحدها في بلد لا تجيد لغته من دون عائلة أو أصدقاء. والحق ان الاتجار بالنساء والأطفال هو من اكثر الجرائم تعاظماً في العالم، بحسب مكتب المخدرات والجريمة في الأممالمتحدة. وعلى رغم فداحة الجريمة وخطورتها، لم تذلل الخلافات بين المؤسسات المحلية والدولية على تعريفها وسبل مكافحتها. وفي بلدان كثيرة، يعاقب القانون البغي نفسها، ولا يلاحق المتجر بها، وقاسرها على هذا العمل. وتستخدم عصابات الاتجار بالبشر الموانئ الدولية والمطارات لنقل"سلعها"من بلد آخر. وتجني نحو 17 بليون دولار من التجارة غير الشرعية وغير الانسانية هذه. وتقدر منظمة العمل الدولية عدد ضحايا جرائم الاتجار بالبشر بأكثر من مليون شخص سنوياً، معظمهم من النساء والأطفال. وازدهار الاتجار بالبشر من نتائج العولمة ورفع القيود عن التجارة. فالحدود بين البلدان شرعت أمام التجار والزوار والمستثمرين. وعلى خلاف أبناء البلدان الغنية، لم ترفع القيود عن حرية حركة أبناء البلدان الفقيرة. فقوانين مكافحة الهجرة، وشروط طلب اللجوء الإنساني القاسية تعوق حركة هؤلاء. وعزز انتشار التكنولوجيا الحديثة في الدول الفاشلة والفقيرة تجارة الاتجار البشر. وهو لا يقتصر على توفير عاملات البغاء. فنحو ثلث قطاع تجارة البشر يؤمن يداً عاملة رخيصة، وشبه مجانية، في الزراعة والخدمة المنزلية والصناعة. ويفقد العاملون في هذه القطاعات من ضحايا الاتجار بالبشر حريتهم. ويعملون في ظروف قاسية تشبه ظروف عمل الرقيق. والمعلومات عن المتاجرين بالبشر قليلة. فغالباً ما يفضل ضحاياهم التزام الصمت، ويخافون اقتصاص التجار منهم. فالقانون لا يزال قاصراً عن حماية الضحايا. وتتولى الاتجار بالبشر شبكات جريمة منظمة. وهي خلايا مستقلة ومتصلة بتجارة الأسلحة والمخدرات في آن. وتتوسل الشبكات هذه الفساد في صفوف الشرطة وحراس الحدود لتسهيل تجارتها غير المشروعة. وغالباً ما يغرر"وسيط"بالضحية، ويوهمها بتأمين عمل محترم لها في بلد آخر يدر عليها راتباً كبيراً. وخلصت ميشا غليني، وهي تعد كتاباً عن العالم السفلي لجرائم الاتجار بالبشر، الى ان العصابات البلغارية تضطلع بدور حاسم في تجارة النساء. فهي تنقل النساء من اليونان الى الاتحاد الاوروبي، ومن جنوب شرقي تركيا والشرق الأوسط الى ألمانيا وتشيخيا. وعدد كبير من المتجرين هم من النساء. ففي مولدافا، تغرر نساء، وبعضهن مومسات سابقات، بشابات صغيرات، وتستدرجهن الى شبكات الدعارة. وتنجح النسوة في كسب ثقة ضحاياهن، وترافقهن الى مكان العمل الجديد. ويغرر بعض الأقارب والأصدقاء بقريباتهم وصديقاتهم، ويخدعونهن، ويبيعونهن من شبكات الدعارة وتجارة الرقيق. وشهد الاتجار بالبشر انعطافاً كبيراً في التسعينات. وأصبح مسألة دولية في منتصف التسعينات. وفي تايلندا، ازدهرت تجارة الجنس قبل اكثر من عقد في أثناء حرب فيتنام. فالجنود الأميركيون درجوا على قصد دور البغاء في بانكوك للترفيه. وفي السبعينات، أدركت بعض العصابات الاجرامية أن الرقيق مصدر ربح وفير. فنظمت رحلات سياحة جنسية في تايلندا. وبعد تعثر طفرة النمو الاقتصادي، وتباطؤ عجلة النمو الاقتصادي، بماليزيا واندونيسيا والفيليبين وسنغافورة، استدرج عدد كبير من النساء المعدمات الى تجارة"الترفيه"الدولية. وثمة نحو مئتي ألف امرأة من ضحاياها في نوادي السونا ومراكز التدليك اليابانية. وينقل تجار البشر النساء والأطفال من فيتنام الى تايلندا، ومن بورما الى بلدان حوض المحيط الهادئ بشرق آسيا، ومن النيبال الى الهند. ولا يزيد عمر بعض النيباليات العاملات في البغاء في الهند عن ثمانية أعوام. وبلغت تجارة الجنس الدولية مستويات لم تعرفها من قبل، بعد انتشار الانترنت. فعلى الشبكة الالكترونية، ومن طريقها، استقطبت العصابات هواة الصور والافلام الاباحية وزبائن المومسات. وفي وسع الزبون أن يرى على الانترنت عرضاً إباحياً يبث حياً. ويسعه أن يطلب موعداً مع بطلة هذا العرض على الخط online. فنقل الأموال، وتحويلها من بلد الى آخر، سبيله الشبكة الالكترونية. والجريمة شبه الكاملة ممكنة على الانترنت. فتتبع آثار مرسلي مواد إباحية الى بريد الكتروني صعب، أو مستحيل في أحوال كثيرة. وفي جنوب شرقي أوروبا، ترافق الانتقال من الاقتصاد المركزي الى اقتصاد السوق، والنزاعات في كوسوفو والبوسنة، مع انهيار الحال الاقتصادية. فباتت هذه البلدان تربة خصبة للاتجار بالبشر، وللإيقاع بالشباب المعدم والعاطل من العمل. عن كارولين مورهيد،"نيويورك ريفيو اوف بوكس"الأميركية، 11/10/2007