عندما أعلن الرئيس المصري حسني مبارك ان إسرائيل هي مصدر السلاح الذي يصل الى التنظيمات الفلسطينية في غزة التزم القادة السياسيون والعسكريون الإسرائيليون الصمت. بل خففوا من حدة الاتهامات الموجهة الى مصر في شأن تقديمها الدعم والتسهيلات للتنظيمات الفلسطينية لتهريب الأسلحة عبر الحدود. وهذا ليس صدفة إذ ان المحكمة الإسرائيلية كانت تبحث في ذلك اليوم في لوائح اتهام قدمت ضد جنود تتهمهم النيابة العسكرية بسرقة أسلحة من معسكرات الجيش وبيعها للفلسطينيين، ليصل عدد لوائح الاتهام التي بحثت المحاكم الإسرائيلية فيها خلال هذه السنة الى 35 لائحة، وهو رقم اعتبره عسكريون ضوءاً أحمر يعكس جانباً خطيراً من وضع الجيش ونفسية الجنود. وظاهرة سرقة الأسلحة من معسكرات الجيش الإسرائيلي ليست جديدة بل انها رائجة ومتنامية ويكمن خطرها في سهولة تنفيذها واتساعها المتواصل وتحولها مهنة مربحة للجنود، وقد اهتدت إليها المافيا الإسرائيلية. وبات معروفاً ان التنظيمات الفلسطينية المسلحة هي اكثر الجهات المستفيدة. وتشير تقارير الجيش الى ان كميات ضخمة من الأسلحة التي خرجت من مخازن الجيش الإسرائيلي وصلت الى غزة وطولكرم ونابلس وجنين، واستخدمت ضد أهداف إسرائيلية، ونفذت بواسطتها عمليات. ولم يعد سراً ان اتساع الظاهرة أتاح للتنظيمات الفلسطينية المسلحة، خلال السنوات الماضية، رفع مستوى عملياتها. وبموجب معطيات الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي فقد سرقت خلال السنوات الأربع الأخيرة، حتى نهاية الشهر الماضي، 2345 قطعة سلاح منها 1186 قنبلة هجومية والبقية قطع مختلفة أبرزها صواريخ"لاو"إضافة الى عشرات الآلاف من رصاصات البنادق. وبموجب هذه المعطيات فقد سرقت خلال الأشهر الستة الأولى من هذه السنة، 307 قطع سلاح، فيما وصل عدد قطع السلاح التي سرقت السنة الماضية الى 1098 وما لا يقل عن 24 ألف رصاصة بندقية بقطر 5.56 ملمتر و275 قنبلة يدوية، إضافة الى خمسة صواريخ"لاو"سرقت من معسكر للجيش في بلدة"شمورا"الواقعة على الحدود الشمالية. وسجلت السنوات الماضية ارتفاعاً بنسبة 50 في المئة في سرقة المدافع الرشاشة والبنادق الرشاشة من طراز أم - 16. وسجلت اكبر سرقة للسلاح الأكثر خطورة في شهر كانون الثاني يناير من السنة الماضية، حيث اقتحم مخزن للسلاح في قاعدة نقليات لقيادة المنطقة الوسطى، وسرقت منه 32 بندقية"أم 16"و8 قاذفات قنابل. أما أبرز واخطر هذه الصفقات فقد نفذت قبل ثلاث سنوات بسرقة طائرة بلا طيار وبيعها للتنظيمات الفلسطينية، لكن الاستخبارات، وكما أعلنت في حينه، علمت بأمر هذه الصفقة مبكراً وأحبطتها من خلال تفجير الطائرة بين أيدي عناصر"حماس"ما أدى الى قتل بعضهم. اكبر عملية سرقة الغالبية العظمى من السرقات ينفذها جنود، وهذا ما يؤكده محققو الشرطة العسكرية وقيادة الجيش. العديد من هؤلاء الجنود ما زالوا يقضون فترة محكوميتهم في السجن وهناك من ينتظر محاكمته، ولم يضبط بعض من نفذ السرقات. وفي هذه الأثناء ما زالت الشرطة العسكرية تحقق في عملية سرقة نفذت قبل شهر من دون ان تصل الى خيط يوصلها الى منفذيها أو الطرف الذي اشترى الأسلحة. هذه العملية اعتبرها قادة الجيش"الأكثر تعقيداً وتركيباً"وما يقلقهم هو تنفيذها في منطقة تدريبات الجيش في الجولان، وهي المنطقة التي تشهد تعزيزات عسكرية وحالة تأهب متواصلة ووجوداً مكثفاً للجنود والضباط. العملية شملت 15 صاروخاً مضاداً للدبابات من طراز"لاو". وأكد المحققون ان جميع الأدلة المتوافرة تشير الى أن منفذي السرقة جنود ممن شاركوا في التدريبات العسكرية. ويتوقع الجيش ان تصل الصواريخ التي سرقت من الجولان الى العالم السفلي حيث ان وزنها الخفيف والدقة الكبيرة جعلتها سلاحاً مطلوباً في صراعات المافيا الإسرائيلية، اذ سبق ان استخدمت في حوادث سابقة من خلال إطلاقها على سيارات الخصوم. لكن بعض الضباط لا يستغرب احتمال ان تصل الى التنظيمات الفلسطينية، فمثل هذه الصواريخ تساعد عناصر هذه التنظيمات في مواجهاتهم مع جنود الاحتلال، حيث يمكنهم التنقل والهرب بسرعة وهم يحملون هذه الصواريخ. رقم سري يساعد في ضبط الأسلحة الناطقون الرسميون باسم الحكومة الإسرائيلية وجيشها يحرصون على التأكيد ان أسباب الظاهرة تكمن في الأوضاع المالية المتدهورة. وفي تبريرهم لها يقولون إن الغالبية الساحقة من المتورطين في عمليات السرقة هم من الجنود الفقراء، الذين لا يجدون القوت في بيوتهم، فيلجأون الى اسهل الطرق للثراء، إذ ان الأسعار التي تعرض لكل قطعة مرتفعة ومغرية. ويضيف بعضهم ان جنود الجيش الإسرائيلي هم جزء لا يتجزأ من المجتمع الذي يعيش نصف مواطنيه على حالة فقر. ومعظمهم لا يتقاضون الحد الأدنى من الأجر الشهري. وان حوالي30 في المئة من جنود الجيش هم من الاحتياط، يخسرون أماكن عملهم لمجرد انهم امتثلوا للأوامر وتوجهوا الى الخدمة لمدة شهر في السنة، فيتحولون الى عاطلين من العمل". ويؤكد عسكريون ان هؤلاء هم المرشحون عادة لسرقة الأسلحة والاتجار بها. لكن القضية المالية والضائقة والعوز ليست كل شيء، كما قال احد الضباط، فهناك ما هو اخطر في هذه الظاهرة، بالنسبة الى الإسرائيليين، ألا وهو بيع الأسلحة للفلسطينيين. صحيح انه ليس كل من يسرق سلاحاً من الجنود الإسرائيليين يبيعه للفلسطينيين. لكن كل من يتاجر في بضاعة يعرف انه في نهاية المطاف يشجع العمليات الفلسطينية ضد شخصيات ومواقع إسرائيلية. ويشرح ضابط عن هذه الظاهرة وقد حمّل السياسة الإسرائيلية المسؤولية، قائلاً:"في البداية أردت شراء مسدس من دون ترخيص رسمي. فتوجهت الى أحد أصدقائي الذي أنيطت به مهمة حراسة مخازن السلاح وطلبت منه مساعدتي. فلما احضر المسدس وناولته المال، كشف لي انه اخذ مسدسين وانه يحتفظ بالثاني لنفسه. عندها تشجعت على الإقدام على خطوة شبيهة، وطلبت منه ان يوفر لي قطعة سلاح أخرى، فوعدني خيراً. وقمت بالضغط عليه وملاحقته حتى أصبحت السرقة صنعته. واصبح ينفذها في شكل شبه يومي. وأضاف الضابط:"لو كانت هناك سياسة صحيحة في إسرائيل، لما اضطر ذلك الجندي الى سرقة السلاح، فهو فقد الأمل بكل شيء". والى حين تنفيذ سرقة السلاح من الجولان، الشهر الماضي عالجت قيادة الجيش الظاهرة من خلال تحويل الملفات الى الشرطة العسكرية لمحاكمة الجنود المتهمين. واتخذت إجراءات عدة لمواجهة الظاهرة منها إعادة نظام تخزين الأسلحة، فأغلقت الكثير من المخازن وقامت بتوحيدها وقررت إلغاء نظام الخزن للسيارات العسكرية حيث لا تبقى المدافع الرشاشة عليها وفرضت حراسة مشددة على الحراس. لكن رئيس أركان الجيش، غابي أشكنازي، أسرع الى جعل الموضوع على رأس اهتمامات الجيش واتفق على خطة تمت بلورتها انطلاقاً من ان الظاهرة خطيرة وتعبير عن تدهور لأخلاق الجيش الإسرائيلي. الخطة تنفذ عبر 3 مسارات الأول يركز على اتخاذ كافة الخطوات الضرورية لمنع تنفيذ السرقات من خلال تهديد الجنود وإجراء تحقيقات متواصلة تشمل جميع أفراد الوحدة، والمسار الثاني يهدف الى مفاجأة الجنود بزيارات تفتيش داخل معسكرات الجيش من دون تنسيق مسبق والاطلاع عن كثب على مدى قيام الحراس بواجبهم. أما المسار الثالث فيركز على التحقيقات مع الأطراف التي أهملت الحراسة وهذه تكون تحقيقات جنائية تنفذها الشرطة العسكرية ما يعني تقديم لوائح اتهام جنائية ضد الجنود الحراس. وتشمل خطة الجيش أيضاً قيام الضباط بنشاطات وحملات على وحدات الجيش. وفي محاولة لتحذير الأطراف التي قد تشتري أسلحة ولتسهيل عملية ضبط هذه الأسلحة تقرر وضع رقم سري على كل قطعة سلاح. وقلق الجيش الإسرائيلي لا يكمن فقط بوصول هذه الأسلحة الى التنظيمات الفلسطينية أو المافيا إنما من احتمال العودة الى إنعاش هذه التجارة على الحدود الشمالية. هذا الجانب يركز عليه الجيش عند تبريره قرار مواصلة فرض"الطوارئ"على بلدة الغجر وإبقائها منطقة عسكرية مغلقة. وضمن ما يسعى إليه الجيش منع العودة الى الوضع الذي عاشته الحدود الشمالية ما بين الانسحاب الإسرائيلي من جنوبلبنان، عام 2000، وحرب تموز يوليو، السنة الماضية. فالمعطيات التي تشملها تقارير الجيش خلال السنوات الأربع الأخيرة تتحدث عن كميات كبيرة من الأسلحة التي يتوقع الجيش ان تكون قد وصلت الى حزب الله مقابل حصول الجنود أو التجار على أموال أو مخدرات. وما زالت المحاكم الإسرائيلية تبحث في بعض الملفات التي حققت فيها الشرطة قبل الحرب على لبنان في شأن بيع أسلحة عند الحدود الشمالية. ما يلفت في هذه الملفات تنفيذ صفقات الأسلحة وبيعها من خلال إدارة مجموعات تطور عملها من مجرد بيع الأسلحة الى شبكات تجسس كانت تنقل المعلومات وبعض المواد والأجهزة الى حزب الله. واليوم وفي ظل التقارير الإسرائيلية التي تتحدث عن عودة حزب الله الى الحدود الشمالية واحتمال تعزيز وجوده في هذه المنطقة يعود الجيش ليضع مسألة تهريب الأسلحة عبر هذه المنطقة ضمن اهتماماته. "بورصة" الأسلحة المتداولة في إسرائيل - بندقية: 2000 دولار - قنبلة يدوية: 200 دولار - مسدس 9 ملمتر: 1000 دولار - مدفع ثقيل: 1500 دولار - بندقية تصويب: 2500 دولار - جهاز تفجير يشغل بواسطة جهاز الكتروني عن بعد: 4200 دولار - جهاز تفجير يشغل بهاتف نقال 8 آلاف دولار - صاروخ الپ"لاو"لا سعر ثابتاً له