الأمة مجموعة من الأشخاص الذين تجمعهم اعتقادات أو رؤى أو مصالح مشتركة. وقد تضعف العلاقة بين أفرادها أو تزيد وفق قوة الرابط بين الأفراد الذين ينتمون اليها، فهناك روابط تكون مقدسة، وهي من اعلى الروابط التي ترتفع عن المصالح الرخيصة (الدنيوية). ومتى انتهت هذه المصالح، فإن العلاقة بين أفراد الأمة تتدرج في الضعف حتى تتلاشى. وهذه الحالة تكون في العلاقات الرخيصة كما ذكرنا، أما العلاقات ذات المقاصد السامية، فلا يمكن أن تنتهي مهما كانت اسباب الفرقة ومهما كان الاختلاف في التوجهات أو الاتجاهات، لأن المشرب واحد، إلا إذا تم تجفيفه، والخير مازال موجوداً ولكنه اصبح في شح شديد لا تستطيع أن تراه. سيقول البعض إن هذه النظرة قاصرة أو إنها هذا المشرب إما عمداً أو سهواً. إن الخيرية في المسلمين كانت سوداوية، وتنظر من ثقب ضيق أو زاوية حادة، ولكن هناك من يَصدق القول: «انتم يومئذ كغثاء السيل». ما أكثرنا في العدد وما اقلنا في الحقيقة. وللجواب على التساؤل السابق، فإنه واضح من المقدمة، فاللبيب يكشف الجواب دون تفسير. إن الخيرية والصلاح اجتمعا للمسلمين عندما كنا أمة، وأين نحن اليوم من ذلك؟ اننا أبعد ما نكون عنه. وإن كان يدور في خلدك ما تشاهده على شاشات التلفاز من تجمعات أو تكتلات، فإنه لا يمثل مصلحة الأمة، ولكن كل جزء من الأمة أصبح أمة بحد ذاته، لا على سبيل الصحة ولكن على محمل المرض والتفكك. اصبحنا نختلف في ما لا ينبغي الاختلاف فيه من التفاهات والترهات، وأصبحت العلاقة بين هذا النسيج الكبير قائمة على المصالح الدنيوية المختلفة. لماذا؟ لأن المنهل والمعين الذي يجب ان نستقي منه جميعاً تُرك. لاحظ أن الترك كان مبنياً للمجهول، فتركه لم يكن بفعل الأمة أو الشعب أو... ولكن بأسباب اخرى أدت الى غربتنا في أوطان الاسلام، فأصبح الاخ ينكر اخاه ويتعالى عليه. ولاحظ ان الرابط بيننا حوّلنا من أفراد ذوي مصالح مشتركة الى «إخوة»، وهو من أجلّ المعاني والروابط. وتجزأنا الى اجزاء والاستمرار في التجزؤ مستمر. سوف نبدأ الآن بالتساؤل معاً عن الفاعل الخفي ولماذا لم يصرَّح به حتى الآن لأهميته، هل ذلك خوفاً؟ أم بتأثير عامل خارجي؟ ولكن لن يستطيع احد ان يقتحم بيتك (الأممي) إلا اذا لم توصد الابواب وتغلق النوافذ وتحكم السيطرة على دارك أشد إحكام. وأما اذا كان التخريب من الداخل، فهنا يجب التوقف قليلاً وتسليط الضوء ونصب حلقة النقاش والتحاور وليس التخاصم والتجادل. فعندما تختلف مصالح بعض الاجزاء منها مع مصالح الأمة، ينتج عن ذلك الدمار والخراب، وقبل هدم البيوت تُخرّب عقول ساكنيها كي يهدموا بيوتهم بأيديهم قبل أي يدٍ اخرى. هذا ما حصل ويحصل وسوف يستمر. سؤال آخر: لماذا يفعلون ذلك مع أنهم من الأمة، بل على العكس، يجب ان يكونوا من أفاضلها. من الاسباب الجهل، ولكنه ليس محوري الأهم، فهو سبب مهم ولكنه عرضي يمكن إزالته. أما السبب الأساسي: فلأن السفينة لا تقاد بربان لا نقول اعمى ولكن تم تضليله. لقد قللنا من شأنه حتى استفحل بجيشه ونشر قواته وأعد قواعده ووجَّه مضاداته ونحن في خبر كان. يجري مني ومنك مجرى الدم وهو لن يتركنا حتى نرتع في مرابع الهلاك ونهوي في ظلمات الجهل ويقتل بعضنا بعضاً دون شعور بحسرة ولا ندم. وقد دخل علينا ديار عقولنا وقاد السفينة لترسو في مراسيه، فأصبحنا أمة في الإعلام وفي الاجتماعات وفي المحافل، وجعل الاممية كالقشرة، التي ما إن اصطدمت برغائبنا حتى فرّ كل بمنفعته وبما ينجيه، وليهلكِ الجميع. إن الحل واضح لا يحتاج الى توضيح، فتوضيح الواضحات مشكل، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، فحاشا امة محمد ان تكون غنماً ولكن يجب الاجتماع وليس التفرق، فهي في الاجتماع معصومة من الخطأ، وهي من خصوصياتك يا أمتي. فلتعودي فلتعودي.