يبدو أن المطربة والباحثة الموسيقية اللبنانية غادة شبير قررت أن تعرّف العالم أخيراً وبحقّ إلى سيد درويش، وأن تفعل ذلك بأن تشرحه وتشرح للناس العاديين كلمات تبدو غامضة بالنسبة إليهم وبعيدة، مثل"الموشحات"و"الدور"و"الطقطوقة"، وتحكي حكايات صغيرة عن أعماله ليصبح سيد درويش أقرب وعالمه أكثر سحراً... تشرح ثم تغني، هذا ما فعلته في الحفلة الغنائية التي قدمتها أول من أمس في قصر الإمارات في أبو ظبي، وما فعلته أيضاً في شريطها الثاني الجديد، الذي أطلقته في المناسبة وغنت بضعاً من أغانيه في هذه الحفلة، التي نظمتها هيئة ابو ظبي للثقافة والتراث وهيئة أبو ظبي للسياحة. وقد اختارت شبير ابو ظبي لإطلاق شريطها لأنها"باتت عاصمة للثقافة وحامية للتراث"، كما قالت. الحفلة ولو أنها لم تكرسها بالكامل لسيد درويش، إلا أنها خصصت له تسعة من أصل 16 موشحاً ودوراً وطقطوقة في هذه الحفلة التي بدأتها أيضاً بدور له وهو دور"أنا هويت"، إضافة إلى بعض من أعمال شريطها الأول. غنّت أيضاً لحليم الرومي"يا حمام"، ولرياض السنباطي"إفرح يا قلبي"، ولمحمد عبدالوهاب"يا جارة الوادي"و"يا من هوى"، ولمحمد القصبجي"فرّق ما بينا ليه الزمان"، اضافة الى أغنية"اسقنيها"التي غنتها إسمهان وكانت كما روت شبير في الحفلة، سبباً في قطيعة دامت 10 سنوات بين القصبجي وأم كلثوم... على هذا النحو روت شبير للجمهور قصصاً صغيرة استقطعت بها حفلتها. وغنت بصوتها البالغ الصفاء وبتلك الروح الغارقة في الموسيقى والمنخطفة بسيد درويش، وهذا ما عبرت عنه في شريطها أيضاً. فهذا الشريط الذي جاء على شكل"دي في دي"بعنوان"قوالب"ألحان الشيخ سيد درويش، حوى جزءين أو بالأحرى شريطين. الأول غنائي بالكامل، والثاني شرحي، حيث يبدأ بمرور سريع لصور الصحف الأجنبية والعربية التي كتبت عن غادة شبير وأيضاً نشرات الاخبار التي أعلنت عن فوزها بجائزتين عالميتين لأفضل عمل من هيئة الإذاعة البريطانية"بي بي سي"لسنة 2007 عن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ثم تقدم شبير نفسها وتروي قصتها سريعاً مع الغناء لتبدأ بعدها بالكلام عن سيد درويش بلغة عشق كبيرة. فهو برأيها أهم من جاء في القرن العشرين ومن جدّد في الموسيقى العربية. وتقول"انا أقدمه لكم، وأشرح عنه، لأنني أريدكم أن تشعروا بما أشعر به عندما أسمع سيد درويش...". وتشرح عن كل موشح وأغنية ودور وطقطوقة تؤديها له. وبالمناسبة، فهي تشرح ما معنى"الطقطوقة"التي يخالها الناس نوعاً رديئاً. كما تشرح عن الاغنية الجديدة الوحيدة في الشريط والتي لحنتها بنفسها. وتروي أنها اختارتها من اجمل عتاب حب بين شاعرين من القرن الحادي عشر للشاعرين ابن زيدون وولادة بنت المستكفي، وهي قصة انتهت بالخصام ولكن كما تروي، استمر العاشقان في حب بعضهما بعضاً حتى الممات. وانتقت منهما عتابين صغيرين من قصائدهما وغنتهما. لكنها لم تقدم هذه الأغنية الخاصة بها في الحفلة، بل تركتها لشريطها الجديد الذي وقّعته في نهايتها. وقد أُرفق الشريط إنتاج زمن للإنتاج بكتيّب صغير أنيق يتولى هو الآخر تقديم شرح لأنواع الغناء التي يضمها الشريط مع شرح عن كل أغنية أيضاً، إضافة إلى كلمات الأغاني. وهذا ما فعلته حتى في المنشور الخاص بحفلتها، اذ ذكرت فيها عناوين الأغاني وملحنيها وكاتبي القصائد، إضافة إلى كلمات القصائد أيضاً. إنه فعل حثيث للتعريف بسيد درويش ولفهم ما نسمع، وليس ذلك إلى الجمهور العربي فقط بل الأجنبي أيضاً، حيث يحمل الشريط احتمالات ترجمته إلى الفرنسية والإنكليزية. إنه أسلوب جديد يعوّض تلك البرودة القاتلة في التعاطي مع إرث غنائي كبير، والأهم من كل ذلك أنه يأتي صادقاً من صوت قوي مقنع يشبه مقاصده.