"الوعد الصادق" و "البرهان القاطع" و"البركان الثائر" و"الإنذار الصارخ"، عناوين تشن الحرب بلا هوادة، وتنتقل بنا إلى ميادين تنفيذ الخطط العسكرية، ولكن بلا دماء ولا أشلاء أو خراب. إنها أشرطة فيديو واقعية، محملة على الموقع الأميركي الشهير"يوتوب"، تفضح عمليات رشوة وارتشاء في صفوف قوات أمن مغربية، التقطتها كاميرا مواطن غير معروف الهوية حتى اليوم. هذا المواطن اللغز وقع عملياته باسم"قناص تارجيست"، نسبة إلى بلدة صغيرة في منطقة الريف شمال المغرب المعروفة بزراعة حشيشة الكيف، وربما نسبة أيضاً إلى"قناص سان جورج"، البلدة الأميركية الصغيرة التي نقلتها كاميرا سائق شاب على موقع"يوتوب"إلى العالمية، كاشفة بطش رجل أمن ضد مواطن. والتقط القناص لعدة دقائق عمليات متفرقة لعناصر من قوات أمنية متلبسة بتلقي رشاوى في نقط تفتيش في الطريق العام خارج المدار الحضري، وبثها متسبباً في زلزال هز أحد أهم أجهزة الأمن شبه العسكرية. وإثر صدور قرار بالتحقيق مع عناصر الشرطة المرتشين ونقلهم من مواقع عملهم، قرر القناص مواصلة حربه، بواسطة ما يسميه"كتيبة"القنص، موسعاً رقعة الحرب نحو مدن أخرى..."حتى النصر"، بينما تتواصل عمليات البحث والتحقيق للكشف عن هويته، بدعوى أنه سيكون شاهد عيان في حوادث رشوة عناصر الأمن، وربما لكبح زناد كاميراته، تجنباً لما راج في الصحافة الوطنية حول"التشهير بجهاز تابع للدولة، بدافع انتقامي وراءه إلقاء القبض على أحد أقربائه من تجار المخدرات". وأوضح القناص المسلح بكاميرا فيديو رقمية صغيرة في حديث صحافي لم يكشف فيه عن هويته، أن دوافعه لإعلان الحرب على الفساد في صفوف بعض أعوان الدولة هو"الوعد الصادق الذي كُنت قطعته على نفسي، و"برهان قاطع"ضد الظلم والابتزاز و"بركان ثائر"على الحصار وواقع المدينة المزري تارجيست..."، نافياً أن يكون هدفه انتقامياً. وحصد قناص الفاسدين والمرتشين في وقت قياسي شهرة كبرى وتعاطفاً واسعاً في المغرب، وشاهد شريطه الأول"الوعد الصادق"عند بثه أول مرة أكثر من 500 ألف زائر من داخل المغرب، وتناقلته المواقع والمدونات المغربية، وطبقت شهرته الآفاق كما يقال، ووصفته قناة LCI الفرنسية ب"روبن هود"المغرب، في حين استفردت ثلاث صحف مغربية مستقلة بحوارات معه، قدمته فيها كبطل وطني ثائر. واستطاع"قناص تارجيست"الغامض تحويل أنظار المغرب والعالم نحو بلدته الصغيرة الغارقة في الفقر ومستنقع زراعة مخدر القنب الهندي المنتشرة في منطقة الريف، وإلى ظاهرة الفساد التي استشرت في صفوف بعض عناصر الدولة، متصرفاً بذكاء شديد إزاء أعماله، وردود الفعل التي ترتبت عنها، إذ اختار توقيت بث شرائطه بدقة كبيرة. وبث القناص شريطه الثاني"البرهان القاطع"إبان زيارة ملكية للمنطقة، مرفقاً برسالة تقول:"الشغل الشاغل لهؤلاء المسيرين سواء في الأجهزة الأمنية أو السلطات المحلية هو نهب المال". وبث قنصه الثالث"البركان الثائر"يوم السابع من أيلول سبتمبر الماضي، تاريخ إجراء الانتخابات التشريعية، ثم قنصه الرابع"الإنذار الصارخ"عقب وقت قليل من إعلان الجهاز الأمني توصله إلى قناص تارجيست، إذ أطلق بعدها سراح الشاب المشتبه به، إثر سلسلة اعتقالات واسعة في صفوف شباب المدينة. وثمن المجتمع المدني مبادرة قناص تارجيست المتفردة في فضح ممارسات الرشوة داخل أجهزة الدولة، مشجعاً على انخراط أكبر للمواطنين في مبادرات مشابهة تمكن من محاربة هذه الآفة التي تضع المغرب في مراتب متأخرة على قوائم التقارير الدولية الخاصة بمحاربة الرشوة والشفافية.