قبل 4 أشهر من صدور قرار مجلس الأمن الرقم 1559 قال سفير عربي في لبنان لمحدثيه، عندما توقعوا، بين الاحتمالات العديدة في شأن الاستحقاق الرئاسي، التمديد للرئيس اميل لحود:"سيكون ذلك الخطأ بذاته. ستسقط سورية في هذه الحال في الفخ الذي يُنصَب لها. والمكتوب يقرأ من عنوانه". كان حديث السفير العربي هذا في شهر أيار مايو من عام 2004، أي قبل شهر من قمة الرئيسين الاميركي جورج بوش، والفرنسي جاك شيراك في النورماندي، والتي تنسب معظم القراءات للأحداث اليها انها أطلقت آلية العمل للتوصل الى القرار 1559، وقبل 4 أشهر من قرار دمشق التمديد للحود الذي حصل في 3 أيلول سبتمبر من العام نفسه، متحدية القرار الدولي الذي صدر قبل يومين، في 1 أيلول. تكفي أحداث السنوات الثلاث ونيف الماضية، التي هزت لبنان والمنطقة، للتأكد من أن سورية سقطت في ذلك الفخ. فالسفير العربي الذي غادر لبنان لتمثيل بلاده في إحدى الدول الكبرى، كان استدل في رأيه، بالمواقف الأميركية والأوروبية التي كانت تصدر إزاء سورية وتعتبر وجودها في لبنان احتلالاً وتتحدث عن انسحابها. وعلى رغم ان سورية استطاعت في ميزان الربح والخسارة ان تعوّض عن خسائر الفخ، والأفخاخ التي تلته ووقعت فيها، عبر تحالفها الاستراتيجي مع طهران، وعبر دعمها العمليات ضد الاحتلال الاميركي في العراق، وتحالفها مع حركة"حماس"على الصعيد الفلسطيني وعبر تبنيها التصدي لإسرائيل، سياسياً وعملانياً وعسكرياً، في حرب تموز يوليو العام 2006، ثم عبر نجاحها في تقسيم السلطة السياسية في لبنان ورعايتها الانقسام السياسي الحاد فيه لمنع قيام سلطة متفلتة من قاعدة الانصياع لها، فإن الكثير مما خططت له لم تنجح في تحقيقه، مقابل تحسينها مواقعها. ثمة من ساعد دمشق على الذهاب الى الفخ الأول، ثم الى الأفخاخ التي تلت. فعند التمديد، هناك من زيّن للقيادة السورية، من بعض الأوساط الأميركية حتى، إمكان المقايضة عليه، ببيع واشنطن دوراً سورياً في التهدئة في العراق لأن هذا ما يهم إدارة بوش، لكن الأخيرة رفضت الشراء. وثمة من زيّن لدمشق أن تداعيات اغتيال الرئيس رفيق الحريري قابلة للاحتواء، لكن العكس هو الذي حصل. بل ان القيادة السورية اعتبرت القرار 1559 تافهاً ثم أعلنت انها نفذته. وثمة من زيّن لها ان حلفاءها في لبنان سيُسقطون الفريق الحاكم بعد نتيجة انتخابات 2005 خلال بضعة أسابيع، بعد حرب تموز وهو ما لم يحصل. وثمة من أقنعها الى درجة اليقين لدى إعلان القيادة فيها أن روسيا ستحول دون إقرار قيام المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة المتهمين في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بالفيتو في مجلس الأمن، فصدر القرار ليضاف الى سلسلة قرارات هي الأكثر عدداً في شأن دولة عضو في الأممالمتحدة خلال 3 سنوات. وكلما اقنع بعض حلفاء دمشق أنفسهم بأن المحكمة لن ترى النور، كلما جرى استعجال إجراءات تشكيلها. ومن المؤكد ان ثمة من يزيّن لسورية الآن قرار إحداث فراغ في الرئاسة اللبنانية، والقدرة على التحكم بالوضع في حال حصول هذا الفراغ. والأفخاخ التي ستنجم عن هذا الفخ الكبير الجديد، ستطلق فصلاً جديداً من الصراع حول لبنان يزيد من انكشاف سورية الذي حصل بعد التمديد. وقد يكون في حسابات من يعتبرون ان ظروف سورية الإقليمية والدولية مختلفة عن ظروف التمديد، وأن تحالفها الاستراتيجي مع إيران يمكِّنها من مواجهة الضغوط عليها في حال تسببها في إحداث الفراغ الرئاسي. ان الوقوع في هذا الفخ في العام 2007، يتطلب حسابات مختلفة عن حسابات فخ العام 2004. فالسنوات الثلاث التي مرّت تسببت بأضرار على لبنان وبخصومات عميقة لسورية مع أطراف المجتمع الدولي. الوحيد الذي لم يصبه الضرر من هذا الفخ هو الرئيس اميل لحود لأنه لم يكن لديه شيء يخسره. ستتضاعف الخسارة على لبنان من الفخ الجديد، اضافة الى الخسائر التي ستصيب سورية على المديين القريب والمتوسط إزاء عدم إجراء الانتخابات"في موعدها". لكن الجديد ان الحليف الرئيس لسورية في لبنان، وهو"حزب الله"، لديه الكثير ليخسره مع انتهاء صلاحية مظلة لحود للدور السوري في لبنان، فثمة من يسعى، على الصعيد الدولي الى تحميله مسؤولية هذا الفراغ بالاشتراك مع سورية.