يختلف المعترضون من اللبنانيين على حملة الأكثرية لإقالة الرئيس اميل لحود، بين من يربط هذه الخطوة بالاتفاق على الرئيس البديل، وهذا ما يمثله افضل تمثيل العماد ميشال عون، وبين من يعتبرها انقلاباً سياسياً تنفيذاً للمخططات الأميركية، وهذا يمثله"حزب الله"افضل تمثيل، من بين حلفاء سورية التي مدّدت للحود في الرئاسة حفاظاً على موقعها في قلب السلطة اللبنانية. لقد حالت التعقيدات اللبنانية الداخلية، العام الماضي دون إقالة لحود كواحدة من خطوات إزالة جزء من الآثار السلبية الكبرى للعلاقة اللبنانية ? السورية غير السوية في التركيبة اللبنانية. جاءت الممانعة من المسيحيين في حينها، لأنهم كانوا قلقين من ان انحسار الإدارة السورية المباشرة للبنان جاء سريعاً وصاعقاً فلم تتح لهم الفرصة لإعادة تموضعهم في قلب الحياة السياسية، التي همّشتهم هذه الإدارة السورية فيها. خافوا من ان يملي المسلمون من طريق الرئاسة طبيعة الدور المسيحي في السلطة، فلم يتحمسوا لإزاحة لحود. ولا شك في ان ارتسام الخريطة السياسية المسيحية بعد الانتخابات مع تصاعد أضرار بقاء لحود على الموقع المسيحي في السلطة انضجا القرار المسيحي بوجوب تنحيه، كما عبّر عنه البطريرك الماروني نصر الله صفير. التقى هذا النضوج لطبخة ازاحة لحود مسيحياً، مع لحظة خارجية مواتية ما يجعل الأمر جدياً الى اقصى الحدود. والحقيقة ان ما صنع هذه اللحظة الخارجية هو الصفة التي يتمتع بها لحود، والتعريف السياسي لبقائه في سدة الرئاسة. فقد تطور لحود من رئيس تعتبره دمشق سبباً لدورها في لبنان، كما عبّر عن ذلك الرئيس بشار الأسد حين كان يردد على الدوام:"لحود يعني أنا"، الى عنوان للدفاع عن النظام السوري في وجه الضغوط عليه. ثم تحول، بعد اتخاذ طهران قرارها دعم سورية في وجه هذه الضغوط بأي ثمن، واستتباعاً دعم حلفائها في لبنان، بمن فيهم الرئيس لحود، الى رئيس"سوري - ايراني"من زاوية وظيفة بقائه. وليس صدفة ان يخص وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي لحود بالمديح من بين المسؤولين اللبنانيين الذين زارهم، حين اكد بعد يومين على تجمع 14 شباط فبراير المليوني حيث اطلق تحالف الأكثرية حملة إسقاط رئيس الجمهورية، على"المحافظة على وحدة اللبنانيين من خلال المواقف الوطنية التي تميز بها لحود والتي تلقى لدى الجمهورية الإسلامية الإيرانية وشعبها كل التقدير". كان التمديد للحود ذا وظيفة سورية استغربتها ايران محمد خاتمي. وأصبح بقاؤه وظيفة سورية - ايرانية تستسيغها ايران محمود احمدي نجاد في سياق تجميعها اوراق المواجهة مع الغرب في كل الملفات، وخصوصاً الملف النووي الإيراني. وهذا طبيعي في منطق الواقعية السياسية. لكن الطبيعي ايضاً في منطق الواقعية السياسية، ان تقفز الولاياتالمتحدة الأميركية وحلفاؤها، على هذا"الصيد الثمين"، والقليل الكلفة، مرة أخرى: ان القيادة السورية نفسها حددت الهدف حين ربطت"صمودها"بالتمديد للحود، لتصبح ازاحته إضعافاً لها. وطهران حددت الهدف حين وافقت مع دمشق على ان الدفاع عن النظام يكمن في مجموعة من الخطوات في لبنان بينها بقاء لحود في السلطة، في وقت رجحت في واشنطن وجهة النظر التي ترى ان إضعاف اوراق طهران يبدأ بإضعاف سورية عبر مواجهة الأوراق التي استخدمتها الأخيرة في الأشهر الماضية لتحقيق هجوم على التركيبة اللبنانية الجديدة التي اعقبت الانسحاب السوري... يفترض المرء انه صيد قليل الكلفة لأن المجتمع الدولي يدرك ان التركيبة اللبنانية التي عصت على التمديد للحود بصفته"السورية"، ستكون عصية اكثر على حماية بقائه بصفته"السورية - الإيرانية". هل سمع احد ما ان طهران استطاعت ان تقيم نفوذاً لها في موقع الرئاسة المسيحي في لبنان، او تنطحت في التاريخ والجغرافيا لشيء من هذا النوع، في وقت كان النفوذ العربي على تلك الرئاسة محل خلاف واضطراب بين اللبنانيين بالكاد قبلوا به في احسن حالاته؟ وهل يمكن للتركيبة اللبنانية ان تستوعب نفوذاً ايرانياً على موقع كهذا في وقت يتعرض نفوذها هذا في مواقع طبيعية اخرى للحملات والانتقاد؟ ان بعض الحملات ضد مطلب تنحي لحود، مثل دفعه من البعض الى الهجوم على الرئيس جاك شيراك لاتهامه بالعمل على إسقاط رئيس الجمهورية مثيرة للضحك، لأنها تنم عن نقص فاضح في المعلومات عن صيغة القرار الكبير الذي اتخذ بإسقاط لحود، والحملات على قوى 14 آذار بحجة مبالغاتها في تحديد موعد سقوط لحود مثيرة للشفقة لأنها تنتمي الى ذلك العقل الذي استسهل التمديد للحود، واستهزأ بصدور القرار الدولي الرقم 1559 وبتداعيات كل ما حصل بعده على الساحة اللبنانية. وهي حملات لا مفعول لها سوى استدراج"حزب الله"الى الفخ الذي ينصب له للدفاع عن لحود، مثلما دفع العقل الذي تنتمي إليه هذه الحملات، سورية الى الوقوع في فخ التمديد.