استيقظ صباحاً ليجد نفسه أنه تأخر عن موعد ذهابه إلى عمله. لبس ثيابه على عجل، ومن غير عادته انطلق إلى وظيفته من دون أن يضع شيئاً في فمه. وعندما بلغ مشارف مكتبه شعر أنه يكاد يهوي أرضاً، فاستند إلى الجدار، وطلب من زملائه أن يأتوا له بالطبيب، ولدى فحصه تبين أن ضغطه الشرياني منخفض، ما يفسر سبب تعرضه للدوار. يعتبر الدوار من الشكاوى الشائعة لدى واحد إلى اثنين في المئة من الناس. واسم الدوار مشتق من الكلمة اللاتينية VERTERE التي تعني الدوران. والدوار عارض وليس مرضاً، وفيه يشعر المصاب بدوران في جسمه أو بدوران المكان حوله، أو من الاثنين معاً. ويقود الدوار إلى فقدان التوازن والترنح، الأمر الذي يجبر صاحبه على الجلوس أو الاستناد إلى شيء ما لتفادي السقوط. ويحصل الدوار نتيجة خلل في التوافق بين الإشارات الصادرة عن الأذن الداخلية المسؤولة عن التوازن وجهاز البصر والجهاز الحسي العميق القابع في الجلد والمفاصل والعضلات. والدوار أنواع، فهناك الدوار الذي يترافق مع نقص في السمع، والدوار الذي لا يترافق مع نقص في السمع. والدوار المصحوب بفقدان الوعي. أما عن الأسباب المؤدية إلى الدوار فهي كثيرة ومنها: - داء منيير، وهو مرض يصيب الأذن الداخلية، وأول من وصفه هو الطبيب بروسبير منيير في العام 1861 ومن هنا أتى اسم المرض. وهناك فرضية تقول إن المرض ينتج من رض على الرأس أو عند إصابة التهابية، ولكن السبب الفعلي ما زال مجهولاً. ويتميز داء منيير بظهور الثلاثي الآتي: الدوار والطنين ونقص السمع. ويداهم مرض منيير صاحبه على شكل نوبات تدوم الواحدة منها ساعتين وسطياً، ليعود بعدها المصاب إلى وضعه العادي. وتكون وتيرة النوبات كثيفة في السنوات الأولى لتخف لاحقاً في السنوات التالية. والشعور بالدوار في مرض منيير تسبقه عادة بوادر منذرة، مثل: الإحساس بامتلاء الأذن، وفقدان سمع جزئي قد يترافق مع طنين والصداع، وعدم تحمل الأصوات والدوخة وفقدان التوازن. - التهاب الأذن الداخلية، ويشكو المريض فيها من الطنين إضافة إلى الدوار وضعف السمع. - التهابات الأذن الوسطى وانسداد قناة السمع. - تصلب عظمة الركابة للأذن الوسطى، وقد يطاول هذا التصلب أذناً واحدة أو الاثنين معاً. ويشاهد هذا المرض في عائلات معينة من دون غيرها، وفيه يعاني المريض من الدوار مع نقص السمع المترقي. - التهاب العصب الدهليزي، ويؤدي إلى المعاناة من الدوار، ومن ضعف السمع والغثيان والرأرأة حركة العين من جهة إلى أخرى من دون أن يستطيع المصاب السيطرة عليها. - اضطرابات تطاول الجهاز العصبي المركزي، أي المخ والمُخيخ وجزع المخ، وتسبب هذه الاضطرابات خللاً في انتقال الإشارات العصبية الآتية من الأذن الداخلية. ومن هذه الاضطرابات التهابات وأورام الدماغ، وأمراض أغلفة الأعصاب الاستحالية، والصداع النصفي، وداء الصرعة، وبعض التشوهات الدماغية، والسكتة الدماغية. - دوار الوضعية، وهو اضطراب شائع لدى الأشخاص من ذوي الأعمار المتوسطة والمسنين، ويحدث على شكل نوبات يعاني منها الشخص من دوار قوي لدى تحريك الرأس في وجهة معينة وتدوم النوبة حوالى الدقيقة وأكثر قليلاً، وقد يتخللها ضعف في السمع مع رأرأة في العين. - ورم عصب التوازن، وفيه يعاني المصاب من دوار خفيف وطنين مع قلة في السمع في أذن واحدة عادة. وقد تظهر عوارض أخرى مثل آلام في نصف الوجه، وضعف في الرؤية، والصداع، وربما فقدان الوعي. - الدوار الناتج من أمراض عامة مثل القصور الكبدي، والقصور الكلوي، والداء السكري، وفقر الدم الشديد، وبعض أمراض الجهاز الهضمي، وقصور الشريان القاعدي المغذي للدماغ، نمو عدم انتظام ضربات القلب، وحالات القلق والهلع، وهبوط سكر الدم، والتهابات وإصابات فقرات الرقبة. - دوار السفر، وهذا شائع بين كثيرين من الأشخاص الذين ما أن تطأ أقدامهم إحدى وسائل السفر، كالسيارة والباخرة والطائرة، حتى تنتابهم نوبة الدوار، ويحدث هذا الدوار نتيجة اهتزاز القنوات الهلالية في الأذن الداخلية ويصاحب جملة من العوارض المزعجة، كالغثيان والتقيؤ، وشحوب الوجه، وانصباب العرق، والنعاس، وقد ينتاب المصاب شعور وكأنه سيغمى عليه. ويكثر حدوث دوار السفر عند من لديه ثقب في غشاء طبلة الأذن وأولئك الذين يعانون من التهاب في الجيوب الأنفية أو داء الانفلونزا. - الارتفاعات الشاهقة، وينتج الدوار هنا من تناقض الرسائل المرسلة من العين، وتلك الآتية من الأقدام، فعندها يعاني الشخص من الدوخة الموقتة التي لا تلبث أن تزول. - دوار الجبال العالية، ويحصل هذا بسبب نقص الأوكسجين في المرتفعات، ما يقود إلى نقصه في الدم وبالتالي في الدماغ. - أنظمة التخسيس السريعة. - شلل إحدى عضلات العين. هذا ما يمكن سوقه حول الأسباب المؤدية إلى الدوار. أما عن العلاج فهو يعتمد أولاً على معرفة السبب وبالتالي علاجه بالوسيلة المناسبة. وإذا لم يتم رصد السبب يصف الطبيب الأدوية، ومهدئات جهاز التوازن، وأحياناً قد تتم الاستعانة بالعلاج النفسي أو الجراحي، للتخلص من وطأة الدوار. أما بالنسبة إلى دوار السفر فهناك بعض التدابير التي من شأنها التخفيف من وقع حدوثه، مثل تفادي تناول وجبات ثقيلة مدهنة قبل السفر أو أثناءه، وتجنب القراءة خلال فترة التنقل، والقيام بنشاط من شأنه أن يشتت الرسائل المتناقضة الذاهبة إلى المخ. كما يجب الانتباه إلى تفادي التهوية السيئة، والجلوس في وضعية مريحة مع النظر إلى الأمام وإلى الأفق إن أمكن وإذا لم تنفع هذه التدابير فإن تناول عقار يصفه الطبيب ويؤخذ قبل فترة من بدء السفر يسمح بالتغلب عليه. وفي ما يتعلق بدوار الوضعية، فإن تحريك الرأس بعطف الجسم بتؤدة إلى الجانب الأيمن ثم العودة إلى وضعية الجلوس، وبعدها الميل إلى الجانب الأيسر، وهكذا دواليك مرات عدة، يسمح بوضع حد للدوار والعوارض التي يحملها.