كان اللبنانيون في انتظار نتائج القمة الأميركية - الفرنسية. عقدوا على توافق الرئيسين جورج بوش ونيكولا ساركوزي آمالاً كبيرة، خصوصاً أن الرئيس الفرنسي أوفد كلود غييان، وهو أبرز مساعديه وخبير في الشؤون السورية، الى دمشق. ومعه سفير باريس السابق لدى الولاياتالمتحدة جان دافيد لفيت. خرج الرجلان من لقائهما مع الأسد ليشيعا جواً من التفاؤل، سرعان ما انتقل الى بيروت لتبدأ المداولات بأسماء المرشحين للرئاسة ومن هو الأقرب الى الفوز. الواقع أن ساركوزي أراد من ايفاد مستشاره الى دمشق أن يؤكد دور فرنسا في لبنان وفي المنطقة، وأنه بما يملكه من صداقة مع الرئيس الأميركي يستطيع أن يكون وسيطاً بينه والأسد، شرط أن تبدي دمشق"مرونة"في الملفين اللبناني والفلسطيني. أما الملف العراقي فترك لتقديرات البيت الأبيض، نظراً إلى حساسية الموضوع لدى الادارة الأميركية، ولأن ساركوزي يريد أن يتجاوز الخلافات التي سببها هذا الملف بين البلدين في عهد شيراك، فضلاً عن ذلك فسورية قدمت بعض ما لديها على هذا الصعيد، وإن كانت الولاياتالمتحدة تطالبها بالمزيد. في واشنطن استطاع ساركوزي أن يكسب قلوب الأميركيين، على المستوى الرسمي. صفق له أعضاء الكونغرس، بمجلسيه، وقوفاً، بعدما قال إن"فرنسا صديقة لأميركا. منذ أن ظهرت الولاياتالمتحدة لم يهتز الوفاء الذي يربط بين الشعبين". وهو لم يكن في حاجة الى التركيز على دور لافاييت في الثورة الأميركية على بريطانيا، إذ أن بوش سبقه الى ذلك. عاد ساركوزي من واشنطن وفي جعبته تفويض أميركي محدود في الملف اللبناني: واشنطن مع رئيس توافقي لبناني شرط أن يلتزم قرارات مجلس الأمن وأن لا يعطل المحكمة الدولية. وعلى دمشق أن تراعي هذين الشرطين. واذا أخذنا في الاعتبار ما أبلغه الأسد الى الموفدين الفرنسيين عشية قمة واشنطن من أنه ضد الفوضى في لبنان لأن ذلك سينعكس على سورية في الدرجة الأولى، يصبح منطقياً أن يعود الموفدان الى دمشق لطمأنتها الى الموقف الأميركي، والطلب منها أن تضغط على حلفائها اللبنانيين كي لا يعرقلوا انتخاب الرئيس. لكن المعادلة تبقى ناقصة حتى الآن، إذ من المنطقي أيضاً أن تتكفل باريس بالضغط على حلفائها وحلفاء واشنطن للقبول برئيس توافقي. وناقصة أيضاً لأن عزل الملف اللبناني عن الملفات الأخرى في المنطقة غير ممكن وغير وارد لدى إدارة بوش، حتى الآن على الأقل، إلا إذا ضمنت موقفاً من دمشق يخالف كل القناعات والثوابت السياسية السورية المعروفة. وليس هناك أي مؤشر الى أن واشنطن مستعدة لدفع ثمن هذا التغيير. أما الوعود الفرنسية والأوروبية بالانفتاح على دمشق فغير كافية وحدها لإحداث هذه النقلة النوعية للنظام السوري. إذا قيض النجاح لمساعي ساركوزي سيكون لدينا رئيس لبناني متحالف مع باريسوواشنطنودمشق وطهران وموسكو والفاتيكان وايطاليا وألمانيا والنمسا... ومع العرب من المحيط الى الخليج. وسيكون متوافقاً مع"حزب الله"، ساعياً، في الوقت ذاته، الى نزع سلاحه، وصديقاً لجنبلاط وجعجع والحريري وكل مختار أو زعيم طائفة أو عائلة. سيكون لدينا رئيس لا عمل له سوى المحافظة على التوازن بين كل هذه المتناقضات، ولكن عليه المحافطة على توازنه أولاً.