هل هي صدفة أن يأتي أول رئيس حكومة ألباني الى مصر بعد نهاية عرض مسلسل" الملك فاروق" وما خلفه من تعاطف شعبي مع آخر أفراد العائلة الالبانية التي حكمت مصر حوالى 150 سنة؟ نعم انها صدفة، ولكنها صدفة مواتية، والزيارة اقترحت في بداية السنة، اذ عرفت بها خلال زيارة لتيرانا في نيسان أبريل الماضي ، وعملت الخارجية الالبانية على الإعداد لها في هدوء لأنها كانت ترمز الى عودة البانيا الى العالم العربي من خلال البوابة المصرية. مصر بالذات، بسبب العلاقات التاريخية والعاطفية التي تربط بين الالبان ومصر، ففيها عاشت جالية البانية كبيرة في القرن التاسع عشر ، وكان لهذه الجالية دور كبير في النهضة القومية الألبانية التي أدت الى تشكيل دولة ألبانية مستقلة في 1912. وفي مصر كانت تصدر حوالى عشر صحف باللغة الألبانية، كما كانت مصر مركزاً مهماً للإبداع الادبي الالباني الذي ارتبط بأسماء كبيرة في الشعر والمسرح خصوصاً، مثل فيليب شيروكا1859-1935 وانطون زاكو تشايوبي 1866-1930 وفان نولي1882-1965 وغيرهم. ومصر هي التي احتضنت أول قنصلية وأول سفارة البانية في العالم العربي ، اذ أسست القنصلية الالبانية في الاسكندرية آخر 1921 ، أي بعد استقرار الدولة الالبانية الوليدة وقبولها في عصبة الامم 1920، وتحولت بعدها الى سفارة في القاهرة منذ العام 1935. وبقيت هذه السفارة تغطي معظم العالم العربي، الى ان افتتحت أخيراً السفارة الالبانية في الرياض التي تغطي شبه منطقة الخليج. ومصر هي التي احتضنت ملك ألبانيا السابق أحمد زوغو 1895-1961 بعد الاحتلال الايطالي لألبانيا في نيسان أبريل 1939 حيث بقي في القاهرة مع أسرته وحاشيته ومؤيديه بعد أن وصل الحزب الشيوعي الى السلطة نهاية 1944 ومنع عودته الى البلاد. وبقي الملك زوغو في القاهرة حتى صيف 1952، حين خرج منها بعد ابعاد الملك فاروق، ولا تزال في القاهرة بعض أضرحة العائلة الملكية الالبانية، التي أعيد لها الاعتبار في ألبانيا بعد التحول الى الديموقراطية. ومع أن رئيس الحكومة الالبانية السابق فاتوس نانو كان يحب مصر أيضاً ويزورها في اجازاته الخاصة بعيداً من الأضواء الا أن صالح بريشا اختار مصر لتكون البوابة أو المحطة الاولى لسياسته الجديدة بعد أن عاد الى الحكم آخر 2005 منهياً تجربة مفيدة في المعارضة بين العامين 1997 و2005. فقد كان بريشا أول رئيس غير شيوعي يتولى الحكم بعد انتخابات 1992 التي فاز فيها حزبه الحزب الديموقراطي ويفتح ألبانيا على العالم بعد عزلة طويلة ضرب فيها المثل. وفي هذا الإطار أراد بريشا أن أن يعطي ألبانيا دوراً جديداً باعتبارها الجسر بين الشرق والغرب، فاستقبل باهتمام الشخصيات والوفود الأولى العربية والاسلامية التي جاءت الى ألبانيا اثر فوز حزبه في الانتخابات. لكن توجهه لم يفده كثيراً إذ أحبطته الشخصيات والوفود الزائرة التي وعدت بالكثير وحولت القليل الذي تحقق الى مصالح شخصية، كما أثار ضده معارضة الحزب الاشتراكي وريث الحزب الشيوعي السابق الذي اتهمه بالسعي الى"أسلمة"ألبانيا من خلال الانفتاح على العالم العربي والاسلامي. لكن، بعد سنوات المعارضة عاد بريشا الى الحكم بتجربة ناضجة أكثر وسياسة هادئة تعرف كيف توفق بين خيار ألبانيا الأوربي الذي يجمع عليه الالبان بالطبع وبين كونها الدولة الأوربية الوحيدة ذات الغالبية المسلمة التي لها تراث من العلاقات مع العالم العربي يمتد قروناً هي قرون العيش المشترك مع العرب في الدولة العثمانية. وهكذا، بعد تفعيل دور ألبانيا في منظمة المؤتمر الاسلامي هذه السنة انظر"الحياة"17/6/2007 يأتي الآن دور تفعيل علاقاتها بالعالم العربي، ولذلك جاء بريشا الى القاهرة بوفد كبير ضم حوالى الخمسين من الوزراء ورجال الأعمال والصحافيين لتكون الزيارة مثمرة للطرفين وليست للمجاملة والتقاط الصور. زيارة مصر ، والنتائج الإيجابية المتوقعة في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة، ستكون مهمة لبريشا في وجه معارضة لا ترتاح لذلك لأسباب كثيرة. * أستاذ التاريخ الحديث في جامعة آل البيت - الأردن