عندما نشير الى الحداثة الآن ننظر اليها وكأنها هبة للغرب وحده غير عادلة. لكن ننسى ان هذه الحداثة لم تتشكل بالسهولة التي نعتقدها ولا وصلت الى ما هي عليه من دون معاناة وألم وعنف. وكما يشير احد الباحثين، نادر هاشم، فقد ستغرقت الحداثة في التجربة الغربية مئات السنين لتطوير مؤسساتها العلمانية والديموقراطية، وهي قامت بذلك من خلال العديد من التجارب والأخطاء. وليس أوضح دليل على ذلك من الحروب الدينية التي استمرت في أوروبا مئات من السنين، عدا الإضطهاد السياسي الذي عرفته مجتمعاتها. الى جانب كل ما رافق الثورة الصناعية من تغيرات نتج عنها الكثير من العنف وليس أقلها الثورة الفرنسية وما رافقها. هذا اضافة الى الاستغلال اللاإنساني للعمّال والنساء والاطفال، ترافق ذلك كله مع بروز القوميات والنزاعات التي نشأت بينها قبل ان تتركز الدولة ? القومية، ناهيك عن الحربين العالميتين نتج منهما - وبخاصة الحرب الثانية - ملايين الضحايا ما أدى أخيراً الى غلبة الاتجاه الديموقراطي وحركة السلم العالمي وحقوق الانسان التي نعرفها الآن. تسبب ذلك كله، بتبدّل كبير في جميع مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية والإقتصادية والفكرية والدينية. وصولاً الى اجتياح ثورة المعلومات العالم كله ما ساهم في حصول تغيرات جذرية طاولت مختلف وجوه الحياة وكان لها آثار جمة على العالم الغربي نفسه فكيف يكون عليه الامر عندما يتصل بعالمنا الذي يتأخر في مجالات وميادين عدة؟ إننا نشهد الآن تغيرات مؤلمة في الدول العربية وبما أن التغيرات تحصل الان بوتيرة اسرع بكثير عما كان عليه الامر من قبل بسبب ثورة المعلومات"فهي أشد إيلاما لأن التحولات سابقا كانت تأخذ حيزاً زمنياً طويلاً يتم عبره استيعاب بعض التبدلات بيسر أكبر. الآن صار التغير في الواقع يحصل قبل تمثله ذهنيا بزمن. ما لا يتم الانتباه عادة اليه ان ما نعانيه من اضطرابات عميقة هو ضريبتنا لهذا الانتقال الى الحداثة الخاصة بنا وهذا ما حاول القيام به كتاب فالح عبد الجبار"في الأحوال والأهوال"كتاب في جريدة، 2007. فقد أشار الى منابع العنف الثقافية والاجتماعية في شكل ضمني وقدم لنا الكثير من مكوناتها وترك امر تظهيرها لجهدنا الشخصي. اشار الى انتقال المنطقة العربية من نظم ثقافية ميتولوجية - شفاهية او مقدسة- وابجدية، الى النظام المعرفي الحديث القائم على المعرفة الوضعية والكلمة المطبوعة في مطلع القرن. عصر المعلوماتية. وعلى أهميته، يتضمن هذا التعيين دمج اكثر من عامل وإظهار الميتولوجيا وكأنها سمة من سمات مجتمعاتنا السلبية. يجدر الاشارة بالنسبة للميتولوجيا انها لم تتوقف عن التأثير والعمل اذا أمكن القول في اكثر المجتمعات حداثة والا ما هي مثالات عصرية من مثل مارلين مونرو او الاميرة ديانا او بيل غيتس اوابطال كرة القدم او اقطاب الاعلام والتوب موديلز الى ما هنالك، أليست هذه مكونات الميتولوجيا العصرية؟ ولقد سبق لرولان بارت - وغيره - ان عين الكثير من هذه الميتولوجيات. هذا من دون ان ننسى ان المجتمعات الغربية الحديثة نفسها قامت على اساطير مؤسسة مثل الماركسية، الداروينية والفرويدية. وكما يشير البعض لقد نتجت شهرة هوبس ولوك وروسو وماركس وفرويد عن فعاليتهم في خلق ايديولوجيات سمحت باعطاء معنى للوجود لمعاصريهم وتسليحهم من اجل الفعل اكثر مما حملته على الصعيد العلمي. جوهر المشكلة اذن ليس فقط هذا الانتقال المجتزأ من الميثولوجيا لكن خاصة الانتقال من عصر الشفاهية الى عصر الصورة والمعلوماتية من دون المرور بالتحولات التي حصلت في الغرب وساهمت في تكوين الفرد الغربي عبر صناعة الطباعة وشيوع الكتب والقراءة الصامتة ودورها في تكوين الفرد ذي الحس النقدي والاستقلالية الفكرية وتحولات مؤسسات الدولة التي رافقتها لإضافة الى المعرفة الوضعية التي نتجت عن ذلك ساهمت فيه في الوقت نفسه. وهذا ما يوصلنا مباشرة الى النقطة الثانية التي أشار اليها المؤلف وهي حلول:"المؤسسة"المنتجة للخطاب الثقافي، بدل الفرد المثقف وذلك قبل الوصول الى الفرد المنتج. وهذا ما اوصل، على ما يؤكده المؤلف، الى استبداد المؤسسة في دولة لم تصل هي ايضا الى تركيز هويتها كدولة ? قومية او وطنية Etat ? Nation كما حصل في الغرب اثر معاناة كبيرة وحروب وعنف. اما عن صعود الثقافات الدنيا على حساب الثقافات العليا مدعمة بتغيرات مجتمعية هائلة ويعيّنها المؤلف بهجرة من الريف الى الحواضر ويضع الى جانبها اتساع نظام التعليم. فإذا كان العامل الاول الانتقال من الريف ساهم حقا في ترييف المدن الا ان ما ساهم في تجذير المشكلة أيضا ليس الانتقال وحده لكن عجز بنى ومؤسسات الدولة غير المتمركزة بعد عن استيعاب التغير لعدم كفاية نظم التربية والتعليم وعدم اتساعها وشمولها لكل فئات المجتمع وهذا من ضمن تقصير الدول على استيعاب الايدي العاملة الريفية ولأن هذه الدول التي تأسست رعت الاستبداد بعد فشل الاصلاح. وهنا نلاحظ عند المؤلف عدم استغلال كافٍ لمكون اساسي - او الوجه الآخر - كأحد اسباب العنف وهو الاستعمار ودوره في اضعاف السلطنة العثمانية ما ادى الى تبلور فكرة القومية العربية التي ترافقت مع فشل المحاولات الاصلاحية واحتلال فلسطين وإقامة الدولة اليهودية. وهو محق تماماً عندما يكتب ان حركة التماس مع الغرب لم تكن في البدء لقاء"ثقافيا"بل تصادماً تجارياً ? عسكرياً شمل المعمورة: حرب الأفيون في الصين 1832 وفتح اليابان عنوة امام التجارة قبل العصرالميجي الى دخول نابليون مصر وتمدد فرنسا في افريقيا. لكن السؤال لماذا تم تخطي العنف الذي حصل من هذا التصادم في المناطق الاخرى وما سبب عدم قدرتنا على ذلك؟ لماذا انتهت الحركة التصادمية التي انطلقت في بلادنا وأدت الى التنظيمات العثمانية كما اشار الكاتب والى اصلاحات محمد علي، لماذا اوصلت الدول العربية الحديثة الناشئة الى الاستبداد والتأسيس للعنف بينما كانت استجابة اليابان، وكما يشير المؤلف نفسه، انطلاق حركة الميجي التي نجحت في اطلاق سيرورة من التقدم نعرف ما نتج عنها من نهضة نرى نتائجها الآن؟ يشير المؤلف الى بروز البيروقراطي الباشا والمصلح الديني اللذين شكلا عماد الحركة الجديدة. فتح هذا التيار النخبوي الضئيل - شديد التعلق بالدولة - اعادة بناء الثقافة الاسلامية - العربية. تحديثها باختصار. وبفعل هذا الاتجاه تحول الانقسام الحضاري الثقافي الذي كان خارجياً الى انقسام داخلي: اجتماعي - ثقافي . اكتسب شكلاً صلباً عبر مؤسسات وقوى اجتماعية جديدة وعبر قيم وانماط عيش: الطربوش بدل العمامة والبدلة بدل القفطان والاحياء المفتوحة بدل الحي المغلق والمواطن المجرد بدل نظام الملل والمدرسة بدل الجامع. لكن هذا التوصيف ألا ينطبق أيضاً على تركيا؟ لماذا يختلف الوضع فيها فنراها تقترب من حداثة خاصة متوازنة فيما تفشل الدول العربية فشلاً ذريعاً؟ هل كان يجب الالتفات الى العامل الاستعماري الخارجي والى دولة الاحتلال التي ساهمت في تأبيد الوضع العربي في الدول القومية العلمانية التي فشلت في مواجهة هذا الشكل الجديد من الاحتلال اضافة الى البحث في الأسباب الداخلية لفشل الاصلاح وتغلغل الفساد! تتفق اشارته الى الحقل الرابع وكيفية معالجته له مع اعتماده لمصطلح الثقافة كنظام معرفي يشتمل على انتاج المعاني، وحصره بمنتجات العقل، كما تتجسد في نظام رموز وإشارات كلام، لغة،اشارات، رموز لخزن المعلومات ونقلها. من هنا اهتمامه بمؤسسات الثقافة العليا كما اسماها وتأرجحها بين تسليع الثقافة واحتكار الدولة كحامل لانتاجها المؤسس. وعلى هذا المستوى ألا تتعلق المشكلة أيضاً بالدينامية الاجتماعية نفسها الكامنة خلف الانتاج الثقافي والتي لم تجد منطلقاً فعلياً لها في بلادنا، بمعنى الانتاج العلمي والبحثي او المعرفي والابداعي بشكل عام. فهل المشكلة هنا تتعلق فقط بالتسليع او الاحتكار ام انها اعمق من ذلك؟ اي انها افتقار المجتمع الى انطلاق ديناميات حركة ثقافية شاملة لا تتعلق فقط بانتاج الثقافة العليا بل تطاول جميع اوجه الحياة. ربما ان مشكلة عدم القدرة على انتاج ثقافة عليا هي تحديداً في قصور شروط إحياء ما سماه ثقافة دنيا والتي تطال في ما تطاله القيم السائدة وفعاليتها. وهو ما أشار اليه في نقاشه للوردي في تصنيفه العصبية البدوية والتراتبية الاجتماعية التي تقيمها بواسطة سلم القيم - المهن يذكر ما يأتي: "نجد في قلب الوعي الجماعي القبلي او المحلي او الطائفي سلما متدرجا من القيم يعكس هذا التراتب ويحميه. التجارة تقف في مرتبة التقديس، ومربو الابل فوق الشاهية من شاة وهؤلاء يزدرون الزراع، ثم ياتي اصحاب الحرف اليدوية هو تراتب العالم القديم. هناك تراتب آخر في المدن اشراف، سادة، نقباء التجار، رؤساء الاصناف، ثم العوام". ويسنتج من ذلك ما يلي: "ويبدو انه كلما كانت الوظيفة الاجتماعية للجماعة او الفرد غير منتجة، ارتفع شانها وتسامت". أليست هذه السمة الثقافية في أصل تعثر تقدم هذه البلاد؟ او أحد أهم أسبابها على الأقل؟ لانها مضادة للانتاجية بكافة اشكالها؟ نذكر ان نهاية القرن التاسع عشر حملت رهانا عند بعض المفكرين الغربيين حول اليابان ومصر اللذين كانا على نفس الدرجة من التطور حينها: من منهما سيقطع اشواطاً مهمة في الاصلاح والتقدم قبل الآخر؟! وها نحن نعاين نتيجة الرهان: أين أصبحت اليابان واين هي مصر الآن! ففي اليابان وجدت تحديات قريبة من التحديات التي تعرض لها العالم العربي لكنها تخطتها عبر دينامية انتاجية شملت جميع نواحي الحياة اليابانية وليس فقط الثقافة العليا. وهنا ربما الاطلالة على ما أسماه الحقل الخامس والذي عينه"باستمرار التوتر القديم في تحديد موقع الجماعة الثقافية العربية في العالم، أي ما اصطلح عليه بفكرة الهوية من نحن؟ من الآخر؟ واشتداد ميول الانغلاق الخصوصية والاصالة، القائمة على نظر ميثولوجية او نظرة ايديولوجية الى الذات والى الآخر". وهنا لا يمكن إغفال كيفية تطور الوضع في المنطقة العربية منذ ان كانت تحت حكم السلطنة العثمانية حيث تبلورت في الدول العربية نوع من الهوية المفتوحة استوعبت جميع الملل والأعراق داخلها دون ان يكون هناك أي تحيز للعنصر التركي. وفي اطار هذه الامبراطورية كانت حرية الحركة والانتقال مؤمنتان ومن هنا قدوم لبنانيين الى مصر وتأسيس صحافة تمتعت بحرية فعلية وساهمت في انضاج فكرة القومية العربية التي بدأت طلائعها في القرن التاسع عشر في مواجهة الاستعمار الأوروبي. لكن التحدي الاكبر الذي ساهم في بلورة القومية المصرية وبعدها الفكرة العربية كان ميلاد الحركة الصهيونية واختيار فلسطين لاقامة الدولة اليهودية والنكبة التي نتجت مما أسس لتقوية فكرة القومية العربية هذه من دون امكانية ايجاد اي اطار حقيقي جامع يعبر عن تطلعات الوحدة التي ظلت مجرد احلام واوهام. لذا لا يمكن اهمال هذا العامل من اجل فهم خصوصية هذا التوتر في مجال تحديد الهوية الثقافية العربية في العالم واشتداد ميول الانغلاق والهروب المتجدد الى الاسلاموية التي ساهمت في إحيائه فشل مشاريع الدول التي حملت ايديولوجيا القومية العربية على صعيد داخلي وعلى صعيد التنسيق والتكامل في ما بينها. وهو يشير الى ذلك كله لكن بسرعة:"ان بذورالتناقضات التي صادفت عملية تشكيل الهوية الذاتية في الرقعة العربية تكاد ان تتجسد في التخيل الفكري الذي صاغه الافغاني كما في التخيل القومي الذي وضعه الكواكبي، واختزانهما لهذه التناقضات ناجم عن وضعهما الفريد اواخر القرن التاسع عشر وعشية القرن العشرين، في لحظة اشتباك النزعات الدستورية بالاستبدادية، ونزعة تحديد الهوية دينياً الجامعة الاسلامية بازاء التعيين الاثني، ولحظة تفكك الامبراطورية العثمانية مع زحف الغرب ولسوف تتفكك هذه العناصر وتندغم في النظم المعرفية الميثولوجية او الميتافيزيقية او الوضعية، على امتداد القرن العشرين، مغتذية من اتساع الفضاء السياسي وانفتاحه امام القادمين من الدوائر الثقافية المتصادمة، في المدينة او بين المدينة والارياف على ايقاع الهجرات المتتالية". ويعين المؤلف ثلاثة اشكال للنزعة القومية، الشكل الاثني العروبي والشكل الديني الاسلامي والشكل التاريخي الاقليمي فينيقي، فرعوني. تنطوي هذه الاشكال الثلاثة على قراءات متباينة للتاريخ او قل بناءات مختلفة، ولنتوقف عند"البناء الميتولوجي، يجرد التاريخ من تاريخيته ويربطه بزمن دائري مغلق، يعيد انتاج الجاهلية والاسلام في تناوب ابدي. انه الزمن الذي وصفه العروي بانه"الماضي والحاضر"ووصفه اندرسون بأن"الماضي والمستقبل متزامنان في الحاضر". هذا البناء يختص بالشكل الاسلامي للأمة. إن أمثولته paradigm هو مجتمع المدينة لا الواقعي، بل المتخيل، المصفى من سماته الفعلية". لكن لا بد من الاشارة الى انه ليس هناك عودة الى الماضي حرفياً، ان هذه العودة هي ظاهرية فقط، انها انتاج جديد لاشكال يعتقد انها هي نفسها القديمة. نجد الإجابة عن هذا الشكل من العودة الى الماضي عند فرهاد خسرو خافار في كتابه عن الاصوليين والعمليات الاستشهادية حيث يشير الى أن:"ظهور شهداء جدد ليس مجرد اعادة انتاج البنيات التقليدية في المجتمعات الاسلامية، ولا عن ارادة بعض الجماعات بالتصدي للحداثة. ان الشهداء الجدد هم حقاً، الاشكال الجديدة من التحرر من التقليد، في شكل مبالغ احياناً، او حتى مرضي. فهم يتحررون منه باعتناقهم اشكالاً من الشرعية تنتمتي شكلياً الى هذا التقليد، لكن تهمشه في الواقع. فنحن امام تناقض اصبح كلاسيكياً بالنسبة الى سوسيولوجيي الدين، تدين جديد يدرج انقطاعاً مع الاشكال التقليدية للحياة الاجتماعية، وهو في الوقت نفسه، يغيّب هذا الانقطاع باسم منهج "أكثر صحة" لاسلام الاصول. ان جزءاً كبيراً من جدة الظاهرة المسماة"اسلامية"يكمن في الاستعمال المزدوج لمستوى التقليد الديني بغية تقويضه". انها اذاً أشكال جديدة من التفرد الذي في جزء منه تعبير عن الاحتجاج الاجتماعي والسياسي على الانظمة التي صادرت الحريات وعرقلت التنمية الاجتماعية، وأيضاً عبر علاقة تقام مع امة اسطورية مختلقة وموحدة لتضميد الجراح التي سببتها الحداثة التي تكسر التماسك الثقافي والاجتماعي. لكن ذلك يحصل من دون ان تستبدلها بأشكال اجتماعية جديدة ملائمة ومقنعة في نظر اطراف واسعة من المجتمع. لقد فشلت الدول العربية في انتاج ثقافة مواطنية يمكنها ان تؤمن لجميع أعضائها الانتماء الحصري لهذه الدولة الديموقراطية لتسهيل امكانية تخطي انتماءاتهم العضوية او الاولية سواء كانت دينية ام اجتماعية ام ثقافية لكي يتوصل كل فرد فيهم الى حقوقه وواجباته السياسية في دولة القانون والمؤسسات من اجل التمتع بالمواطنية بالمعنى المتعارف عليه في الديموقراطيات الغربية. انتجت بلادنا حداثة غير نافعة فنمّّت مدن كبيرة ذات نمو فوضوي وتجهيزات قديمة وتقليد كاذب للديموقراطية. انها نوع من الحداثة، او هي حداثتنا الخاصة. تساعدنا هنا قراءة شولتسه الذي يرتأي ان الفهم الحالي للتقليد على انه مجرد غياب للحداثة وان هذه الاخيرة هي التحرر من التقليد هو ما يحتاج ربما الى اعادة نظر. وبحسب هذه الوجهة فان كل ما يظهر في الغرب من جديد هو حداثة اما في المجتمعات غير الغربية فالحداثة تفسر دائما على انها شيء براني قادم من الغرب. ما يجعل هذه الثنائية تقع في اطار غرب/ لا غرب. من هنا يصبح التقليد هو الحال السابقة على دخول الكولونيالية، ومن هنا ايضاً يصبح الصاق التقليد بالمجتمعات غير الاوروبية هو نوع من اسقاط للنقد الموجه للحالة الاقتصادية والاجتماعية السائدة في تلك المجتمعات من منظور غربي. وكما يشير شايغان تعيش البلدان"غير الغربية"ظروفاً بينية وسيطة. انها تقع بين"ليس بعد"و"الى الأبد"، بين حداثة تتكرس لكنها لم تستوعب تماماً، وتراث آيل الى الانهيار ولن يعود لصورته الاولى الى الأبد. حتى العودة الى الماضي خداع ووهم، ونتيجتها الوصول الى صحراء مقفرة. لا تمتلك الحضارات غير الغربية نموذجاً معرفياً مستقلاً او ابيستيما سائدة. امواج الحداثة المتتابعة تنخر البيئة الاجتماعية لهذه الحضارات. طبعاً هناك اساليب وجود غير غربية الا انها تعرضت الى كثير من الهجمات والضربات، وتعد غير مناسبة للعصر. تتموضع هذه الاساليب في ما يمكن تسميته"ما فوق الواقع". ولانه لا وجود لهذا الواقع في الجغرافيا الصناعية او الاقتصادية العالمية يبقى حبيس مساحات خيالية... على كل حال، كتاب عبد الجبار كتاب غني ويفتح زاوية نظر جديدة في فهمنا لعوامل العنف في مجتمعاتنا وأسبابه، وفيه جهد كبير لتعمق في الظواهر الاجتماعية وإعادتها الى جذورها العميقة. * كاتبة لبنانية.