لطالما صورت السينما الأميركية سجون الولاياتالمتحدة على أنها مقر لعتاة المجرمين. ربما ظن المشاهدون أن في الأمر مبالغة هوليوودية، خصوصاً أن المخيلة السينمائية هناك تبالغ في تضخيم معظم الأعمال التي لها طابع ال"أكشين". لكن من تمكن شاهد الفيلم الوثائقي"ضحايا ووحوش"الذي عرضته محطة"ناشيونال جيوغرافيك"قبل أيام، عن السجناء في الولاياتالمتحدة، شعر بأنه يشاهد فيلماً حفظه عن ظهر قلب، حيث رأى صوراً ومشاهد رآها مراراً وتكراراً في معظم الأفلام التي شاهدها وفيها سجون وسجناء. صوّر الفيلم الذي عرضته"ناشيونال جيوغرافيك"قصة شاب طفولي الوجه أدين بجريمة وأدخل السجن، عاكساً المخاطر التي واجهته في السجن من"التحرش الجنسي"به من رجال أمضوا فترات طويلة داخل السجن بعيداً من النساء، وصولاً إلى"الاستغلال"من سجناء يدفعونه الى أن يطلب من أمه إرسال نقود إليه، اضافة الى علاقته بشريكه في الزنزانة والمخاطر التي قد يواجهها اذا خرج منفرداً الى مكان الفسحة او المطعم"حيث تحدث المشكلات". كما يسلط الضوء على الطرف الآخر أي زعيم العصابة"المفترس"وكيف يمضي وقته مع معاونيه والمنضوين تحت لوائه، مراقباً لأحوال السجن ومتحيناً الفرص لينقض على نزيل جديد. كذلك لم يغفل الفيلم دور إدارة السجن والشرطة فيه وعمل أفرادها ودهم الزنزانات دورياً للتأكد من عدم وجود ممنوعات، وسعيها الى ضبط الأمور، تاركاً للمشاهد تقدير عجزها عن حماية سجين جديد من"الاغتصاب"أو"الاستغلال". يشكل هذا الفيلم الوثائقي والواقعي والحقيقي بأسماء الأمكنة والأشخاص، مجرمين وضحايا، لمشاهد من دول توصف ب"المتخلفة"، ما يشبه الصدمة، أولاً بموافقة السلطات على دخول فريق تلفزيوني ? إعلامي الى السجن وزنازينه مراراً للعودة بفيلم يكشف أمام مشاهدي العالم حقيقة ما يجري خلف تلك القضبان ومجاهلها الخطيرة بمهنية لا تقيم حساباً للمسايرات وتعمية الحقائق. وثانياً باظهاره صراحة وضمناً، للقائمين على تلك السجون والسلطات من ورائهم، ما يجرى في محمية يفترض أنها مكان لتلقين المجرمين والمرتكبين دروساً في عقاب المتطاولين على المجتمع والناس. يبدو أن الفيلم يقول بصيغة غير مباشرة للمعنيين وآمري السجون ومصدري الأحكام، إنكم عاجزون عن حماية سجين جئتم به إلى هذا المكان حماية للمجتمع، من شره، فمن يحميه هنا من الشر المحلق فوقه؟ قد يكون للفيلم لدى المعنيين في ذلك العالم المتحضر أثر إيجابي عبر دفع السلطات الى التنبه الى ما لا تنتبه إليه، وقد لا يكون له هذا التأثير الذي ينعكس حلولاً ناجعة تجعل السجن مكاناً آمناً، لكن ذلك لا يمنع مشاهدي العالم غير المتحضر من أن يحلموا - بعد استهجانهم امتهان كرامة إنسان في الغرب وإن كان سجيناً ? أن يأتي يوم يطلعون فيه على حقيقة ما يحصل في سجون بلادهم...