منذ زمن - أي منذ أواخر الخمسينات على الأقل - والسياسة الأميركية في الشرق الأوسط تقوم على ركيزتين هما حماية إسرائيل وحماية إمدادات النفط. دخلت مسألة الارهاب في المعادلة بعد 11 أيلول سبتمبر 2001، لكنها - بالنسبة الى المنطقة العربية - لم تلعب دوراً أساسياً في تحديد الامور الاستراتيجية في السياسة الأميركية كركيزتي اسرائيل والنفط بل بقيت في اطار تكتيكي بالنسبة للعراق حيث ظهرت نتيجة الغزو الأميركي لهذا البلد العامل الرئيسي في حماية إسرائيل هو اللوبي الإسرائيلي المؤلف في شكل عام، من ثلاثة أطراف على الأقل تعمل بجهد وبتمويل كبيرين لهذا الغرض: اللجنة الاميركية - الإسرائيلية للعلاقات العامة AIPAC ومنظمات يهودية أخرى، مجموعة المحافظين الجدد وشبكتهم الواسعة من مراكز أبحاث ووسائل إعلام مكتوب ومرئي ومسموع، وپ"اليمين المسيحي"أي ما يسمى أيضاً"المسيحيون الصهاينة". أما العامل الأساسي لحماية النفط فليس فقط حاجة أميركا له بل أيضاً الحاجة الماسة الى نفط الخليج لدى حلفاء أميركا وشركائها في التبادل التجاري، خصوصاً في أوروبا وشرق آسيا. حماية إسرائيل وسلامة النفط يشكلان شقي الخط الأحمر الأساسيين للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط"فمسألة العراق مثلاً التي يعتبرها البعض ركيزةً ثالثة للسياسة الأميركية في المنطقة، ليست سوى نتيجة للعاملين الآنفي الذكر. وأصبح معروفاً أن مهندسي حرب العراق هم المحافظون الجدد داخل الإدارة الأميركية وعلى رأسهم بول وولفوفيتز نائب وزير الدفاع السابق ومساعديه في حينه أمثال دوغلاس فايث، مساعد وزير الدفاع المسؤول عن مكتب الخطط الخاصة الذي تلاعب بالحقائق لتبرير الهجوم على العراق وصفه رئيس الأركان تومي فرانكس بأنه"]الكذا[ الأكثر حماقةً على وجه الأرض" وريتشارد بيرل الذي كان رئيساً لمجلس سياسة الدفاع في البنتاغون، وغيرهم من المحافظين الجدد الذين يعتبرون العراق الدولة العربية الأكثر تهديداً لأمن إسرائيل، إضافةً الى أهميته كثاني أكبر إحتياطي نفطي في العالم. وساندتهم في ذلك شركات النفط الأميركية الكبرى التي تشكل إحدى الدعائم الرئيسية للرئيس جورج بوش الذي كان أيضاً يريد رأس صدام حسين لأنه، كما قال في إحدى مقابلاته،"حاول قتل أبي". ومن الخطأ الإعتقاد بأن أميركا ستترك العراق كما تركت فيتناموجنوب شرقي آسيا وتتقوقع على نفسها كما فعلت بعد خسارتها حرب فيتنام سنة 1975 لتترك لإيران ملء الفراغ الناتج من ذلك، كما صرح الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، أو لأي قوةٍ أخرى، لأن المقارنة بين فيتناموالعراق مُضللة: فلاوس وكمبوديا جارتا فيتنام، ليستا إسرائيل بالنسبة الى الولاياتالمتحدة والى القوى السياسية الفاعلة فيها، ولأن إنتاج الكوتشوك المعروفة به تلك المنطقة لا يوازي بأهميته لا من قريب ولا من بعيد أهمية النفط لاقتصادات الدول الصناعية"فأي إنسحاب أميركي من العراق إذا حصل سيكون على الأغلب جزئياً، وسيترافق مع تدعيم للقوى العسكرية الأميركية في المنطقة بغض النظر عما إذا كان الرئيس المقبل من الجمهوريين أو من الديموقراطيين. المسألة الإيرانية الصراع الأميركي - الإيراني هو أيضاً نتاج الخط الأحمر الآنف الذكر بشقَيه الإسرائيلي والنفطي، إذ أن حصول أيران على القنبلة النووية يشكل في نظر الإسرائيليين ومن ثم اللوبي الإسرائيلي في أميركا، كما في نظر الإدارة الأميركية خطراً محدقاً بأمن إسرائيل، إضافةً الى الخطر الذي يمثله على أمن النفط. وبعد أن تعلمت اميركا درساً قاسياً من مخاطر الدخول في مواجهاتٍ ديبلوماسية وعسكرية كبيرة في شكلٍ أحادي كما حصل في غزو العراق، وبعد أن تلاشى الى حد كبير تأثير المحافظين الجدد في السياسة الخارجية الأميركية أي محبذي الأحادية والعمل العسكري المبكر في حل المشاكل وبعد عودة الولاياتالمتحدة الى حظيرة تحالفاتها التقليدية خصوصاً"أوروبا القديمة" ومجلس الأمن في الأممالمتحدة، قامت الإدارة الأميركية، بالتعاون مع أوروبا وأيضاً روسيا والصين ولو بأقل حماسة باتخاذ مواقف وإجراءات، ذات قسوة متزايدة، لدفع إيران الى وقف عمليات تخصيب الأورانيوم والخضوع لمراقبة حثيثة من الوكالة الدولية للطاقة النووية. ومن أهم الخطوات في هذا المجال، قرارات مجلس الأمن 1696 31 تموز/ يوليو 2006 و1737 23 كانون الاول/ ديسمبر 2006 و1747 24 آذار/ مارس 2007. وصدر القرار الأول، تحت الفقرة 40 من الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة التي تسمح لمجلس الأمن بإتخاذ"تدابير موقتة"لدفع إيران الى التجاوب مع مطالب القرار، مع تهديد بالانتقال الى الفقرة 41 التي تسمح بقطع العلاقات الاقتصادية والديبلوماسية بين الدول الأعضاء في الأممالمتحدةوإيران. وفرض القراران الآخران حظراً على إرسال التجهيزات والمواد التي تساعد في تخصيب اليورانيوم الى إيران أو مرورها في أراضي الدول الاعضاء في الأممالمتحدة، مع التأكيد على أن العقوبات سترفع إذا امتثلت إيران لإرادة مجلس الأمن. وتم أخيراً الإتفاق بين الدول الكبرى - بما فيها روسيا والصين - على إعطاء إيران مدة تنتهي قبل انتهاء السنة الحالية للتجاوب، وإلا لجأت هذه الدول الى عقوبات أكثر صرامةً والى الفقرة 41 من ميثاق الأممالمتحدة. * ما هي الخطوات اللاحقة التي ستتخذها الإدارة الأميركية تجاه إيران إذا لم تتجاوب مع الخطوات الديبلوماسية الآنفة الذكر؟ - هناك انقسام حاد داخل الإدارة الأميركية في هذا الصدد، فهناك مجموعة داخل الإدارة، تتزعمها وزيرة الخارجية كوندليزا رايس، وتضم مستشار الأمن القومي ستيفن هادلي، ووزير الدفاع روبرت غايتس ومدير الاستخبارات الوطنية مايك مككونيل ورئيس موظفي البيت الأبيض جوشوا بولتون، تريد تفادي الحرب مع إيران في الوقت الحاضر لمصلحة ما يسمى"المسار الثالث"the third way، أي إعطاء فرصة أطول للديبلوماسية، وخصوصاً للعقوبات المتزايدة، أملاً بأن تتجاوب إيران مع مطالب مجلس الأمن، إذا ما ترافق التهديد بالعقوبات مع وعود بمكافآت اقتصادية وسياسية في حال التجاوب، كما حصل بالنسبة الى كوريا الشمالية. المجموعة الأخرى يتزعمها نائب رئيس الجمهورية ديك تشيني، ويساندها اللوبي الإسرائيلي وبقايا المحافظين الجدد داخل الإدارة الأميركية خصوصاً دايفيد ورمسر، كبير مستشاري تشيني لشؤون الشرق الأوسط وخارجها من المؤثرين في الرأي العام الاميركي أمثال جون بولتون سفير أميركا السابق في الاممالمتحدة والكاتبان المعروفان مايكل لدين ونورمان بودهوريتز. الرأي السائد داخل هذه المجموعة هو أن الوقت حان منذ مدة لتوجيه ضربة عسكرية قوية الى إيران وتدمير قدراتها النووية قبل أن تتمكن، بالمماطلة الديبلوماسية، من الوصول الى إنتاج قنبلة نووية تهدد فيها النفط وإسرائيل في آنٍ واحد. ان الصراع بين هذين الفريقين هو على أشده حالياً، وتختلف الآراء حول من سيخرج منتصراً. هناك أقلية من المراقبين تقول إن الرئيس بوش سيكمل في"المسار الثالث"ولن يضرب إيران لأسباب أهمها: ان الفريق الداعم لهذا المسار قوي داخل الإدارة الأميركية، وأن الجيش الأميركي متمدد حالياً أكثر من طاقته، وأن إيران تستطيع أن تهاجم بفاعلية القوات الأميركية الموجودة في العراق والخليج العربي وأن في استطاعتها أن ترفع من مستوى الإرهاب ضد المصالح الأميركية. إلا أن هناك أغلبية من المراقبين تجيب بأن الفريق الداعم لتسديد ضربة عسكرية الى إيران هو الأقوى، فهو لا يضم نائب الرئيس تشيني ورفاقه داخل الإدارة الأميركية فحسب، بل اللوبي الإسرائيلي ايضاً بكل مكوناته، بما في ذلك شبكة المحافظين الجدد الإعلامية واليمين المسيحي. كما أن الضربة لإيران ستكون من الجو وقد تصل الى أكثر من ألفي غارة يومياً لمدة أيام أو أسابيع، وهذه القدرات الجوية للجيش الأميركي ليست متمددة كقدراته على الأرض، كما أن هذه الضربة الهائلة ستجعل قدرة إيران على الرد ضعيفة ويمكن احتواؤها. ويؤكد هؤلاء المراقبون أن تشيني وورمسر ورفاقهما مصممون بثباتٍ كبير على دفع الرئيس بوش الى الهجوم على إيران، وأن أحد السيناريوات التي أفشى بها ورمسر لبعض المقربين أنه في حال نجح الفريق الآخر في إقناع الرئيس بوش باتباع"المسار الثالث"حتى نهاية عهده سيصار الى دفع إسرائيل للقيام بضربةٍ محدودة لمجمع ناتانز النووي بصواريخ كروز البعيدة المدى، على أمل أن يدفع ذلك إيران الى مهاجمة القوات الأميركية في العراق والخليج، مما سيجبر بدوره الولاياتالمتحدة على تنفيذ الضربة الكبيرة المخطط لها. وبحسب المصادر نفسها، فان إسرائيل ستلعب هذا الدور إذا طلب منها لأنها هي التي تدفع الإدارة الاميركية لمهاجمة إيران. إلا أنها لا تريد في هذه الحال أن تحارب على جبهات عدة إيران، سورية، حزب الله في آنٍ واحد. وتضع هذه المصادر العملية العسكرية التي قامت بها إسرائيل اخيراً داخل سورية مترافقة مع دعوة سورية الى مؤتمر السلام المقبل وإظهار رغبة قيادات إسرائيلية باستئناف عملية السلام معها، في إطار سياسة العصا والجزرة لردع سورية من الدخول في مواجهة عسكرية مع إسرائيل في حال قامت هذه الأخيرة بمهاجمة المفاعلات النووية الإيرانية. وعندما سأل مندوب"نيويورك تايمز"أحد كبار المسؤولين في إدارة بوش عن هذه الخطة التي تحاك داخل مكاتب نائب الرئيس لم ينكر وجودها بل أجاب أن"نائب الرئيس ليس مسؤولاً عن كل كلمة تخرج من فم كل موظف لديه". ويختصر النزاع داخل الإدارة الأميركية ما حصل في اجتماع عقد أخيراً في واشنطن، ضم ثمانية عشر من كبار الشخصيات السياسية بمن فيهم بيناظير بوتو رئيسة وزراء باكستان السابقة قدم خلاله زبيغينو بريجنسكي مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس جيمي كارتر وبرنت سكوكروفت مستشار الأمن القومي في عهدي الرئيسين جيرالد فورد وجورج بوش الأب عرضين حول ما إذا كان الرئيس جورج بوش الإبن سيقوم بهجوم على إيران أم لا. كان رأي بريجنسكي أن الرئيس بوش وفريقاً من حوله رسموا خطاً لسياستهم تجاه إيران يوصل حتماً الى الضربة المحتملة بينما كان رأي سكوكروفت أن الحالة المأسوية لأميركا في الشرق الأوسط ستردع بوش عن مثل هذا الهجوم. وعندما انتهى المتكلمان من عرضيهما حصل تصويت برفع الأيدي فنال سكوكروفت"المتفائل"صوتين مؤيدين فقط بما في ذلك صوته وحصل بريجنسكي"المتشائم"على بقية الأصوات. عملية السلام في سياق الحديث عن السياسة الاميركية في الشرق الاوسط لا بد من تناول المبادرة الاميركية الاخيرة للسلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، فبعد أن أمضى الرئيس بوش السنوات الست الأولى من ولايته مهملاً بالكامل، وعن قصد، معالجة الصراع العربي -الإسرائيلي، تحركت إدارته منذ بضعة أشهر في شكل مكثف في هذا الإتجاه، وقررت عقد اجتماع هذا الخريف يضم الدول الأوروبية والعربية الفاعلة لهذا الغرض. وتسبق الاجتماع لقاءات متتالية بين الفلسطينيين والإسرائيليين على مستويات عدة، بدعم مباشر من وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس التي تزور المنطقة كلما دعت الحاجة، قبل انعقاد الاجتماع المذكور، في محاولة للوصول الى تفاهم بين الفلسطينيين والإسرائيليين على أساس الأرض مقابل السلام، وقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، يكون أكثر وضوحاً من اتفاق أوسلو ويحظى بمباركة الدول الفاعلة خلال المؤتمر. ويعتقد بعض المسؤولين الأميركيين وغيرهم أن من الأسباب الرئيسية لفشل اتفاقات أوسلو أنها حصلت في الخفاء ولم تحظَ بمباركة او مشاركة الدول المؤثرة في عملية السلام في الشرق الأوسط. لماذا تريد أميركا في هذا الوقت ايجاد الحل للمشكلة الفلسطينية وتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟ هناك أسباب عدة بحسب المعلقين الأميركيين: أولاً: إن قوة إسرائيل العسكرية التي استطاعت في الماضي قهر الجيوش العربية، في سنة 1973 بمساعدة مباشرة من الولاياتالمتحدة لم تبق لها الفعالية نفسها في الحروب غير التقليدية، كما ظهر جلياً من خلال تجربتها الطويلة في الشريط الحدودي في جنوبلبنان الذي اضطرت الى الانسحاب منه سنة 2000 تحت وطأة المقاومة، وأيضاً في حرب تموز يوليو على لبنان السنة الماضية. ثانياً: إن اللوبي الإسرائيلي داخل الولاياتالمتحدة يتعرض الآن لهجوم غير مسبوق، بدأ بكتاب الرئيس الاميركي السابق جيمي كارتر الاخير فلسطين: سلام لا فصل عنصري واستأنفه يهود أميركيون مرموقون وشخصيات اخرى معروفة، وهذا الهجوم يتعاظم في شكل متسارع، ولا بد من أن يؤدي، ولو بعد مدة، الى إضعاف اللوبي الإسرائيلي تدريجاً ومن ثم إضعاف المساندة الاميركية المطلقة لإسرائيل، خصوصاً أن هذا يتزامن مع صعود تدريجي، منذ سنة 2000، لفاعلية اللوبي العربي في أميركا. ثالثاً: إن السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين - في اعتقاد المصادر الأميركية نفسها - سيسحب البساط - الى حدٍ كبير - من تحت أرجل الإسلاميين، خصوصاً شبكة"القاعدة"، فيؤثر إيجاباً في الواقع الاميركي في العراق، ويحسن صورة الإدارة الاميركية في المنطقة وفي العالم العربي والإسلامي، ويخفف من خطر الإرهاب داخل أميركا أو ضد المصالح الأميركية في العالم. رابعاً: ان الرئيس بوش لا يريد أن يذكره التاريخ كرجل حرب، هو الذي خاض حربين غير ناجحتين في أفغانستانوالعراق خلال عهده، بل كرجل سلام، وهذا يساعد في تحقيقه السلام الفلسطيني -الإسرائيلي إذا حصل في عهده وبدفع من إدارته. وينطبق هذا أيضاً على وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس التي نظراً الى كونها أستاذة علوم سياسية، تنظر بحساسية كبيرة لحكم التاريخ عليها، وقد ربطت مصيرها بمصير رئيسها وصديقها الشخصي بوش. وهي تعلم أن التاريخ سيذكر ان حادث 11 أيلول سبتمبر 2001 حصل خلال تبوئها منصب مستشارة الامن القومي وان حربي أفغانستانوالعراق لم تنتهيا بعد بالشكل اللائق على رغم كونها وزيرة الخارجية الاقوى بعد ذهاب وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد ومعاونيه، وبعد أن تراجعت قوة نائب الرئيس ديك تشيني والمحافظين الجدد داخل الادارة الاميركية. وكما حاول الرئيس بيل كلينتون الهرب الى الامام من فضيحة مونيكا لوينسكي من خلال محاولته اليائسة في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عهده تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يقوم بوش ورايس اليوم بالمحاولة نفسها هرباً من حكم التاريخ السلبي عليهماً، علماً ان لديهما أكثر من سنة لتحقيق هذا الهدف. هذه المحاولة الأميركية لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، على رغم الصعوبات الجمة التي تعترضها، ليست بالضرورة محكومة بالفشل، وحظها من النجاح قد لا يكون جيداً، لكنه ليس سيئاً بالقدر الذي يوحيه الجو المتشائم السائد حولها. وهناك أسباب عدة لهذا القول: أ - إن عملية السلام بين مصر وإسرائيل التي حصلت بدفع أميركي نجحت ولو بعد جهدٍ كبير- في تشرين الأول اكتوبر 1979، وهذا الدفع الاميركي نجح أيضاً في تحقيق معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل في تشرين الأول 1994. وفتح سفارات أو مكاتب بين دول عربية وإسرائيل بالدفع نفسه. ب - إن المحاولات الأميركية السابقة لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين على رغم فشلها في شكلٍ عام ? أسست لتفاهمات يمكن للفريقين البناء عليها للوصول بسرعة الى اتفاق قابل للتحقق في مدة زمنية مقبولة. نذكر هنا، اتفاق أوسلو إعلان المبادئ في أيلول 1993 واتفاق غزة - أريحا الذي وُقع في أيار مايو 1994 وقع في القاهرة ومذكرة واي ريفر التي وُقِعت في البيت الأبيض في تشرين الأول 1998 ومذكرة شرم الشيخ الموقعة في أيلول 1999، وطبعاً، الإعلان المشترك الذي صدر في نهاية الاجتماعات الماراتونية في طابا بين 21 و27 كانون الثاني يناير 2001. ويقول البيان الذي صدر عن الاجتماع الأخير أن الفريقين لم يصلا يوماً الى مثل هذا القرب من اتفاق سلام، وأن عامل الوقت فقط هو الذي كان العائق للوصول الى اتفاق على كل النقاط، وأنهما يتركان طابا بعد وضع أسس لاتفاقٍ لاحق وأنهما يعتبران أن باستطاعتهما تذليل الصعوبات المتبقية عند متابعة المفاوضات في المستقبل. ج - على رغم تشدد اللوبي الإسرائيلي في الولاياتالمتحدة ضد عملية السلام إلا أن الاستطلاعات تشير الى أن الغالبية الكبرى من اليهود الأميركيين يريدون من الإدارة الأميركية متابعة عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين على أساس الأرض مقابل السلام وإنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة. كما أن هناك غالبية من الإسرائيليين أنفسهم تريد متابعة عملية السلام بالشروط نفسها. د - ان كل الأفرقاء المعنيين يحتاجون الى إنجاز سريع في هذا المجال لرفع التأييد الذي يلقونه لدى مواطنيهم. فنسبة التأييد للرئيس بوش، بحسب الاستطلاعات، وصلت الى أدناها منذ مدة أي الى حوالي 30 في المئة ? وهو كما ذكرنا سابقاً في حاجة الى هذا السلام لأسبابٍ أخرى عدة. وإيهود أولمرت وصلت شعبيته الى ما دون العشرة في المئة عادت وارتفعت بعد الغارة الإسرائيلية داخل الأراضي السورية، وهو في حاجة الى هذا الإنجاز لاستعادة شعبيته قبل الإنتخابات المقبلة. والرئيس محمود عباس أبو مازن في وضعٍ لا يحسد عليه بعد وقوع قطاع غزة في قبضة حماس. واكتشفت الإدارة الأميركية أن"سلام الضعفاء"ممكن كما هو"سلام الأقوياء"، وإن لأسباب مختلفة، باستطاعتها التأثير في الطرفين في حال الضعف أكثر مما كانت تستطيع التأثير لو أن الفريقين قويان، خصوصاً إذا كان فريق أقوى من الآخر، وهي الحالة التي سادت في السابق، وربما كانت العائق الأكبر للوصول الى اتفاق سلام بينهما. أين لبنان؟ أين لبنان من كل هذا؟ من الواضح أن الاستقرار في لبنان أصبح رهناً بنتائج هذه التجاذبات، وأن في استطاعة المراقب أن يتفاءل أو يتشاءم بحسب السيناريو الذي يعتمده، بالنسبة الى مسألتي إيران والسلام الفلسطيني - الإسرائيلي. السيناريو الأكثر تشاؤماً ينطلق من حصول هجوم أميركي - إسرائيلي على إيران، يدفع"حزب الله"إلى إطلاق صواريخه باتجاه العمق الإسرائيلي، إما مباشرةً أو بعد ضربة استباقية إسرائيلية له، تجره إلى ذلك. عندها، سيشهد لبنان هجوماً عليه يفوق في ضراوته الهجومات الإسرائيلية السابقة، خصوصاً الاعتداء الإسرائيلي على لبنان في صيف 2006. أما السيناريو الأكثر تفاؤلاً فيتلخص في حصول اتفاق بين أميركا والمجتمع الدولي من ورائها وإيران، شبيه بالاتفاق الذي حصل مع كوريا الشمالية، ينتج منه تحسن ملموس في العلاقات الإيرانية - الأميركية وتعاون اقتصادي بينهما. ويتزامن ذلك مع تقدم في عملية السلام مما سيُربح لبنان ويدعم استقراره. وهناك سيناريوات عدة بين هذين النقيضين، لكل منها تداعيات مختلفة تأتي من الخارج، وليس للبنانيين كلمة في مسار الأمور التي تقف خلفها. فهم لا يستطيعون التأثير في مجرى الصراع بين المجتمع الدولي وإيران، وليسوا لاعبين فاعلين في عملية السلام الفلسطيني - الإسرائيلي التي تقودها الولاياتالمتحدة اليوم. ولكن، قد يكون في استطاعة القيادات اللبنانية تحييد لبنان إلى حدٍ كبير، إن لم يكن عن الصراعات نفسها، فعن تداعياتها على الأقل، حتى لا يبقى لبنان أرضاً لصراعات الآخرين كما حصل في الماضي وكما يحصل اليوم، الا أن هذا يتطلب توحيداً لرؤى القيادات السياسية اللبنانية حول كيفية الوصول إلى هذا الهدف وتعاضداً بينها، يجعلها حصناً منيعاًً في وجه التدخلات الخارجية من أينما جاءت. ونتوقف عند هذا الحد، قبل أن تأخذنا الحمية وندخل عالم الخيال. * مدير مركز الدراسات والمشاريع الانمائية مجما - سفير لبنان السابق في واشنطن.