مع مطلع التسعينات، من القرن الماضي، باتت قضايا الفساد السياسي والإداري في العالم، وما ينجم عنها من تبعات تهدد المجتمع، في متناول السينما والدراما التلفزيونية العربية. انطلاقاً من هنا، لم يأتِ مسلسل"قضية رأي عام"، للمخرج الأردني محمد عزيزية، بجديد من حيث الطرح. لكنه، من حيث المعالجة، ارتكز على أحد أخطر تجليّات الفساد الاجتماعي والانحلال الأخلاقي، كمدخل رئيس لحبك الحدث الدرامي الأساس، الذي يتّخذ من فضح تغلغل الفساد السياسي والإعلامي والقضائي والتعليمي في مفاصل الدولة، كخلفية له، وصولاً الى تعرية المجتمع المصري، وپكل المجتمعات العربية، وتصوير الفساد المعشّش في وعيه وضميره، واضعاً إياه خلف قوس الإدانة، لشراكته الضمنية في جريمة الاغتصاب التي تعرّضت لها الدكتورة عبلة يسرا، وزميلتاها. وفي الوقت ذاته، يكشف العمل، عن جزء يسير، مما تعانيه"المغتصبة"، فوق مأساتها، من ظلم أقرب الناس إليها، وتوجههم الى محاسبة الضحية بدلاً من الجاني، في حين تكون المعتدى عليها بأمسّ الحاجة الى من يقف إلى جانبها. وتالياً، فإن هذا العمل الدرامي، يحمل شحنة شديدة الانتقاد لواقع اجتماعي مزرٍ. ولعل هذا ما يضعه في مقدم الأعمال الدرامية التي قدمتها الشاشات العربية هذه السنة، كونه، لم يحاول نبش دفاتر قديمة وملفات خاصة، أو دخول غرف نوم شخصية بارزة في تاريخ بلد عربي ما، وملاحقة تصرفاته ونزواته وغرامياته...الخ، التي لا نفع منها ولا ضرر، إزاء قضايا أو مشكلات الراهن العربي، سوى معرفة المخفي والمستور، بشيء من"الحياد"، مثل مسلسل"الملك فاروق"لحاتم علي. تناول مسلسل عزيزية شأناً في غاية الوعورة والأهمية، تشترك فيه كل المجتمعات العربية، فاستحقّ أن يكون"قضية رأي عام"، لكن، من نوع خاص، على رغم الاحتفاء الكبير بپ"الملك فاروق"، قياساً بالتجاهل اللافت، والانتقادات الحادَّة التي وجِّهت إليه. ولا يعني هذا أن المسلسل خال من العلل، ولعل أكثر ما شاب هذا العمل الدرامي، وكتبت عنه الصحافة كثيراً، محاولته إبعاد سلك البوليس من دائرة التواطؤ العام على إخفاء الحقيقة. أياً يكن الأمر، من المهم الإشارة إلى أن رأس المال الذي وافق على إنتاج هذا المسلسل، كان مغامراً بمخالفته قواعد العرض والطلب السائدة في السوق الدرامية. حتى أن المخرج نفسه، لم يُخفِ الصعوبة التي لاقاها في هذا المسلسل حين قال:"كان تصوير حادثة الاغتصاب درامياً من أصعب المشاهد التي اشتغلت عليها، نظراً إلى دنوه من الممنوعات... لقد صوَّرت مشهد الاغتصاب، بطريقة تثير لدى المشاهد الغضب والاشمئزاز... لأدفعه إلى أخذ موقف حاسم من هذه القضية، خصوصاً لإدانة الفاعل والظروف الاجتماعية السائدة".