تحت أقدام قلعة الحمامات التاريخية يمتد الساحل الأزرق ذو الرمال الذهبية نحو الأفق اللامتناهي. كم من السياح الأوروبيين عشق هذا المكان الساحر الذي انطلقت منه السياحة التونسية في ستينات القرن الماضي ثم عاد إليه، كما العشاق، ليتلذذ طعمه مرات ومرات مع أفراد أسرته؟ ازدحم المجال الممتد شمال القلعة وجنوبها على مدى أربعة عقود، بالفنادق والمطاعم والمحلات التجارية، إضافة إلى مساكن الأهالي الممتدة من المدينة العربية القديمة داخل الأسوار إلى الساحل الجنوبي المرصع بالفنادق الكبيرة وحدائقها الخضراء المشرفة على البحر. أما في المناطق الخلفية فأقيمت مرافق ومناشط ترفيهية ورياضية كي لا يسأم السياح من الجلوس على الرمال أو السباحة في البحر، أهمها ملعبان للغولف باتا يستقطبان أعداداً كبيرة من السياح المولعين بهذه الرياضة. واختار كثير من الشخصيات المرموقة الإقامة الدائمة فيها بعد إحالتهم على المعاش، وحتى في ذروة النشاط أسوة برئيس الوزراء الإيطالي الراحل بتينو كراكسي المدفون في الحمامات. مع ذلك ضاقت المدينة الصغيرة عن استيعاب الفنادق والكازينوات والمطاعم ومكاتب السفريات التي نبتت، كما الفطر، في كل شارع وزاوية. ومن هنا بدأ التخطيط لإقامة مدينة سياحية جديدة غير بعيدة عنها أطلق عليها اسم"ياسمين الحمامات"تيمَناً بباقات الياسمين التي يحرص أهل البلد على شرائها مع كل مساء قبل الخروج إلى الفسحة أو المقهى أو إلى سهرة مع الأصدقاء أو أفراد الأسرة. استطاع مخططو المحطة الجديدة الإستفادة من سلبيات التجربة الأولى فامتدت شوارع فسيحة بمُحاذاة الكورنيش مُنطلقة في جميع الاتجاهات، وانتشرت الفنادق من فئتي 4 و5 نجوم والمطاعم الفاخرة والحدائق والمجمعات التجارية. مدينة عربية وسور تاريخي لكن"ياسمين الحمامات"ليست سواحل وفنادق فقط ففي وسطها أنشئت مدينة عربية بأسواقها وبيوتها وشوارعها تُحاكي المدن القديمة في تونس، وهي مسيجة بسور جميل مُقتبس من نمط الأسوار التاريخية، وحتى أبواب المدينة أطلقت عليها أسماء بوابات قديمة في صفاقس والمهدية وحواضر أخرى مشهورة. وتضم"المدينة"هذا اسمها قاعات للعروض المسرحية والسينمائية ومركزاً للمؤتمرات، بالإضافة إلى أنواع مختلفة من المطاعم والمقاهي التي أقيمت على طراز مقاهٍ عريقة في مدن تونسية، خصوصاً ضاحية سيدي أبو سعيد. يجلس السياح الذين يقيمون في شقق مفروشة أو بيوت داخل"المدينة"أو في الفنادق المجاورة قبالة البحر ويتركون أطفالهم يلهون في مدينة الألعاب"قرطاج لاند"، الواقعة عند أطراف السور وتستقبل الزوار في مدخلها تشكيلة من الفيلة المصنوعة من النحاس وعلى ظهورها المقاتلون الذين غزا بهم القائد القرطاجي هانيبعل اسبانيا وإيطاليا في العصور القديمة. وأينما ألقيت النظر في"المدينة"، خصوصاً في المقاهي المطلة على الجادة الرئيسية ترى أمامك البحر والأفق البعيد. أما إذا دلفت إلى الأسواق فتجد سلسلة طويلة من محلات الحرفيين الذين يصنعون أنواعاً مختلفة من المشغولات التقليدية، الصوفية والخشبية والجلدية والفضية والحديدية، والتي يُقبل السياح على شراء نماذج منها للذكرى. أما على الطرف الآخر من"ياسمين الحمامات"فيقع أجمل ميناء ترفيهي في تونس وهو يضم مواقف عدة لليخوت وتشكيلة كبيرة من المحلات التجارية والمطاعم والمقاهي الممتدة على طول الأرصفة. لكن محيط الميناء يضم أيضاً فيلات وشققاً سكنية تُطل على نهر صناعي صغير يأتي من البحر ويعود إليه صانعاً جزيرة ساحرة. وعلى رغم أن بعض العقارات والمجمعات التجارية والسكنية في محيط الميناء ما زالت في طور البناء، فقد شهدت المنطقة إقبالاً كثيفاً من السياح، خصوصاً في فترات الإجازات وفي نهاية الأسبوع. ويمكن القول بعدما اكتملت معالم هذه المدينة السياحية إنها كانت مغامرة صعبة لكنها جميلة، على رأي رجل الأعمال نظمي أوجي الذي غامر بإنشاء أول مشروع سياحي فيها سنة 1996. واعتبر وزير السياحة التونسي التيجاني حداد في الحفلة التي أقيمت أخيراً لمناسبة مرور عشر سنوات على تأسيس المشروع الفندقي والعقاري الذي أقامته المجموعة في"ياسمين الحمامات"والذي يشتمل على فندق وكازينو ومجمَع فلل، أن تلك الخطوة الأولى"ساهمت بشكل فاعل في إرساء صرح سياحي كبير في تونس"، مؤكداً أن"استقراء المستقبل والثقة باستقرار البلد كانا وراء انطلاقته". وأشاد حداد بدور أوجي الذي قال إنه ساهم في إقامة حجر الأساس لمشروع ضخم أصبح يحتل مركزاً متميزاً على خريطة السياحة في حوض البحر المتوسط. غربيون وجزائريون وتستقطب"ياسمين الحمامات"حالياً على مدى فصول السنة مئات الآلاف من السياح الغربيين الذين يأتون للإستمتاع بالبحر أو ممارسة رياضة الغولف في الملعبين المجاورين للمدينة أو تلقي العلاج الطبيعي في مراكز متخصصة أقيمت في الفنادق الرئيسية. وفي هذا المجال تُعتبر تونس الوجهة الثانية للسياحة الإستشفائية في منطقة المتوسط. ويُتوقع أن تتوسع السياحة الصحية في الحمامات بعدما أعلن أوجي أن مجموعته ستقيم مركزاً للعلاج الطبيعي باستثمارات تُقدر بملايين الدولارات في"ياسمين الحمامات"، التي قال إنها"جوهرة من جواهر السياحة في المتوسط وهي تستطيع أن تضع على رأسها باستحقاق تاج السياحة التونسية". واللافت أن المحطة باتت تستقطب أعداداً كبيرة من السياح الجزائريين صيفاً والذين صاروا يفضلونها على مدن سياحية أخرى اعتادوا في الماضي على قضاء إجازاتهم فيها. واستقبلت تونس في الصيف أكثر من مليون زائر جزائري استأثرت الحمامات وسوسة المجاورة بغالبيتهم. أما الغربيون فيفضلونها لقربها من العاصمة تونس حيث يوجد أقرب مطار دولي، كما أن موقعها الذي يتوسط البلد يتيح لهم زيارة المدن القديمة والمواقع الأثرية، خصوصاً مسرح"الجم"الروماني وفسيفساء سلقطة وآثار قرطاج ومدينتي القيروان والمهدية العاصمتين التاريخيتين للبلد في العصر الإسلامي.