استغل الرئيس جاك شيراك توجيه تهانيه، لمناسبة أعياد نهاية السنة، ليفصّل برنامجاً داخلياً وخارجياً أجمع المعلقون في فرنسا على اعتباره برنامجاً انتخابياً. لأنه لم يتطرق الى الماضي، وإنما حدد أهدافاً للمستقبل تتجاوز الشهور الاربعة الباقية من ولايته. وتطاول المستقبل المتوسط والبعيد. ولأنه يتعارض في كثير من نقاطه مع ما يطرحه المرشحان المعلنان، اليميني نيكولا ساركوزي واليسارية سيغولان رويال، واللذان يغطيان كامل المساحة الإعلامية في اطار حملة انتخابات الرئاسة المقررة دورتها الاولى في نيسان ابريل المقبل. وتساءل كثيرون، بعدما استمعوا الى تفاصيل هذا البرنامج، عن الرغبة الحقيقية لشيراك 74 عاماً في ترشيح نفسه لولاية ثالثة، مستفيداً من التعديل الدستوري لتقليص الفترة الرئاسية من سبع الى خمس سنوات. لكن هذه الرغبة التي لا تتعارض مع النهم السياسي لشيراك وتعلقه الشديد بالسلطة، قد لا تجد اصداء ايجابية لدى الناخبين الذين ما زالوا يضعون الرئيس في درجة متدنية في استطلاعات الرأي، على الأقل وراء رويال وساركوزي. علماً ان الذين تشملهم الاستطلاعات يتعاملون مع المرشح المعلن بجدية اكثر من المرشح المحتمل. ويتأثرون بالحركية الاعلامية اكثر من التحفظ الذي يمليه المنصب الرسمي. وتالياً يمكن ان تتغير صورة شيراك لدى الفرنسيين عندما يقرر علناً دخول المعركة الرئاسية، ويبدأ حملته الانتخابية. شيراك لم يلمح حتى الآن الى احتمال ترشيحه. لكنه اعلن، امام"القوى الحية"نقابات وأرباب عمل وجمعيات الفرنسية الخميس الماضي، تعلقه ب"النموذج الفرنسي"الذي"يتطابق تطابقاً كاملاً مع عالم اليوم شرط الذهاب بمنطقه حتى الأخير وتحديثه باستمرار". وأوضح تفاصيل هذا النموذج الذي يرفض"الكل الليبرالي"الذي يدافع عنه ساركوزي و"الايديولوجيات والاوهام"التي يعتبر اليمين انها تميز برنامج رويال. بمعنى آخر، رغب شيراك ان يضع امام الناخب الفرنسي خياراً ثالثاً في السياسة الداخلية، يستند الى برنامج ثالث له فلسفته واعتباراته. وفي اليوم التالي القى شيراك خطابا، امام السلك الديبلوماسي، عرض فيه مواقف من القضايا الدولية الحارة، يعتبر انها تستند الى الوضع المميز لفرنسا. تحدث عن ازمة العراق الذي ادى احتلاله الى زيادة الخلافات بين الطوائف وهدد وحدة العراق وجعل الاستقرار في المنطقة هشاً واتساع الارهاب، محذراً من نزاع لا تعرف حدوده. وتحدث عن النزاع العربي - الاسرائيلي الذي يشكل"مركز التوترات الدولية"، مكرراً دعوته الى مؤتمر دولي يقدم الضمانات لأمن الاسرائيليين والفلسطينيين ويؤدي الى ديناميكية فعلية للتفاوض. وتحدث ايضا عن لبنان الذي"يدفع ضريبة باهظة للنزاعات في المنطقة". وحض ايران على وقف التخصيب، مكرراً إعلانه إقامة شراكة مع دول القارة الافريقية. وهنا ايضا طرح شيراك نهجا ثالثا في السياسة الخارجية، يتعارض مع ذلك الذي يدافع عنه ساركوزي الملتصق كثيراً بالمواقف الدولية للأميركيين بما يتعارض مع الديبلوماسية الفرنسية التي ارساها الجنرال ديغول مع بدء الجمهورية الخامسة قبل اكثر من نصف قرن. ويستند الى خبرة واسعة في قضايا العالم تفتقر اليها رويال. والسؤال يبقى من سيحمل هذا البرنامج ويدافع عنه في الحملة الانتخابية التي قال شيراك، في خطابه الى الفرنسيين عشية عيد الميلاد، انه ينوي ان يكون مشاركا فاعلا في الاستحقاق الرئاسي؟ اعتبر معلقون ان هذه المشاركة قد تكون مقدمة الى اعلان الترشيح. لكن شيراك الذي لا يتردد خلال مسيرته السياسية امام التحديات، قد لا يكون مستعدا للمغامرة بهزيمة انتخابية بعد 12 عاما على رأس الدولة. وقد لا يجد تبريراً في طلب ولاية ثالثة إلا في حال اندلاع أزمة دولية كبرى يقتنع الفرنسيون انه وحده القادر بين المرشحين على التعامل معها ويحفظ المصالح العليا لفرنسا خلالها. واذا لم يترشح شيراك، فإن برنامجه سينتقل الى احد القريبين منه. ويتعلق الامر حاليا بتحديد اسم هذه الشخصية القادرة على توظيف الارث الشيراكي وامتلاك الفرصة الافضل في المعركة. ويتردد اسم وزيرة الدفاع ميشال أليو - ماري وربما رئيس الحكومة دومينيك دو فيلبان او حتى رئيس الحكومة السابق آلان جوبيه. لكن الأساسي في هذا الترشيح هو منع ساركوزي، المرشح اليميني و"الابن العاق"للشيراكية، من الوصول الى قصر الاليزيه، وتصفيته في الدورة الانتخابية الاولى. وفي حال وصوله الى الدورة الثانية في مواجهة رويال، سيكون البرنامج الشيراكي دعماً للمرشحة الاشتراكية التي يتقاطع برنامجها مع توجهات شيراك اكثر بكثير من تقاطعه مع برنامج"القطيعة"مع الارث الشيراكي، الذي يدافع عنه ساركوزي. وفي أي حال، يُفهم برنامج شيراك على انه محاولة جدية لهزيمة ساركوزي، في حال لم تتوافر الظروف لشيراك او لغيره للوصول به الى الرئاسة.