تبادل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي و "هيئة علماء المسلمين" الاتهامات بالتحريض الطائفي، فيما اتسع نطاق التطهير المذهبي في أحياء بغداد، ونصح قادة جماعات مسلحة وميليشيات أصدقاءهم بمغادرة العاصمة "لأن معركة كبرى على الابواب ستحدد مصيرها المذهبي". واتهم المالكي"الهيئة"بالتحريض على التوتر الطائفي، بعدما أصدرت بياناً أكدت فيه ان"ميليشيات تعد لشن هجوم على الضواحي السنية". ولم يحدد البيان هوية الميليشيات، إن كانت شيعية أو غير شيعية، لكن استخدام الكلمة في العراق اصبح يعني هذه الفئة المرتبطة بالحكومة، خصوصاً"جيش المهدي"التابع للزعيم الشيعي مقتدى الصدر الذي تتهمه الولاياتالمتحدة بكثير من العمليات العسكرية، وتطالب المالكي باتخاذ موقف منه. عدنان الدليمي زعيم قائمة"التوافق"السنية، أكد ان بغداد"تخوض معركة مصير بعد نجاح ميليشيات طائفية أبرزها"جيش المهدي"في تنفيذ حملات تهجير من الاحياء الشرقية وتتجه الآن الى تطبيق المخطط ذاته غربها". وحدد الدليمي التوزيع الديموغرافي لأهالي بغداد بعد عمليات التهجير، فقال:"بدأت معركة بغداد عندما أخذت الميليشيات تشن هجمات شرسة على الأهالي في مناطق شرق قناة الجيش وتشمل احياء الثورة الصدر والطالبية والشعب وحي اور والعبيدي وبغداد الجديدة التي أصبحت اليوم خالية من اي عائلة سنية، ثم انتقل الهجوم الى أحياء غرب قناة الجيش في جانب الرصافة وتحديداً الصليخ وحي تونس والاعظمية والكرادة والجادرية وشارع فلسطين التي كان السنة يشكلون نسبة تراوح بين 30 و40 في المئة من سكانها قبل ان تنتقل حمى التهجير الى أحياء السيدية والمواصلات وحي العامل والبياع جنوب غربي بغداد، في جهة الكرخ التي تسيطر الميليشيات على أجزاء واسعة، منها وتمكنت من تهجير أعداد هائلة من السنة". أحياء اخرى، بحسب الدليمي، كانت نسبة السنة فيها تتجاوز نصف السكان مثل كرخ بغداد، أصبحت خالية من أي سني مثل الحرية والشعلة والطوبجي والكاظمية. وشهد العام الماضي متغيرات حاسمة في خريطة بغداد الديموغرافية، والمحاولات جارية للسيطرة على أحياء العدل والمنصور والغزالية والعامرية والدورة أي"آخر معاقل السنة في كرخ بغداد، بالاضافة الى حي الاعظمية في الرصافة". وأكد الزعيم السني ان"ميليشيا جيش المهدي لم تكن تتصرف برد الفعل في السيطرة المتدرجة على بغداد، بل انطلقت من مخطط مدعوم حكومياً، وكشفت الاسلحة التي استخدمتها تواطؤ اجهزة ايرانية بتزويد هذه الميليشيا صواريخ حديثة الصنع استخدمت في قصف الاحياء السنية". القصة من وجهة نظر مختلفة، يرويها جلال الدين الصغير، أحد أقطاب"الائتلاف"الشيعي، ويؤكد ان"حرب التهجير مورست بقسوة على السكان الشيعة في معظم أحياء بغداد ذات الغالبية السنية، خصوصاً ابو غريب والخضراء والعامرية والاعظمية والدورة التي باتت تخلو من اي شيعي اليوم". وينشر موقع"براثا"الالكتروني الناطق باسم الصغير يومياً تفاصيل القصف بالهاون لأحياء العدل والغزالية التي يصفها ب"احياء التفخيخ والارهاب". وبصرف النظر عن الجهة التي بدأت عمليات تهجير، مروعة السكان، بالخطف والقتل، فإن الواقع يتجه الى فرز كامل لمعظم احياء بغداد، حيث مورست شتى الاساليب، وتورط فيها بالاضافة الى تنظيمات"القاعدة"، التي سبق وأعلنت نيتها اعلان دولة لها في بعض الاحياء بعد افراغها من الشيعة، ميليشيات شيعية أبرزها"جيش المهدي"و"فيلق بدر"تخترق الأجهزة الامنية والعسكرية وتسخر امكانات تلك الاجهزة لتسريع آليات الفرز تمهيداً للمعركة النهائية. يقول الفريق الركن السابق حسين السامرائي إن المرحلة الجديدة من الصراع على بغداد"انتقلت من لعبة الكر والفر والاغتيال الشخصي الى المواجهة الشاملة، إذ كان من المستحيل عمليا ان نصل الى هذه المرحلة داخل الأحياء بسبب حجم التداخل الكبير سواء على المستوى المذهبي والديني والقومي او حتى على المستوى الجغرافي الذي يزرع احياء شيعية في وسط الأحياء السنية وبالعكس". ويضيف ان"عام 2006 كان حاسماً في إنهاء كل المعوقات التي كانت تحول دون نشوب المواجهة الدامية، فالفرز المذهبي اتخذ طابعاً منهجياً ويمكن لنا اليوم ان نلاحظ كتلا بشرية ذات وحدة مذهبية تحتل حيزاً جغرافياً وتحاول حمايته من هجمات تأتي من تكتلات بشرية أخرى، سواء باستخدام القصف بقذائف الهاون والكاتيوشا او بالهجمات المسلحة". على الارض يمكن ملاحظة انتشار كثيف للمسلحين في أحياء سنية، ووجود للميليشيات في الاحياء الشيعية، وكلا الجهتين تنظم دوريات مسلحة وتنصب نقاط تفتيش وتدقق في الهوية الطائفية. ان الجماعات المسلحة التي تشكلت بهدف مقاومة الاحتلال، تركز اليوم على حربها المعلنة مع الميليشيات، حتى ان"أمير"الجيش الاسلامي اعتبر في رسالة له ان"المعركة ضد الصفويين الاستئصاليين أهم من المعركة ضد المحتل الاميركي".