إن المقصود بالجمهور هنا هو مجموعة الأفراد الذين يتم استفتاؤهم للإجابة على سؤال أو أسئلة محددة. وقد يكون الجمهور مراقبي قناة أو برنامج أو قراء صحيفة أو فئة مهنية، كالمعلمين أو المهندسين أو الأطباء، أو فئة مجتزأة من فئة أكبر. وقد يكون الجمهور من يُراد توقع تصرفاتهم أو اختياراتهم، كأخذ رأي المستهلكين في سلعة أو خدمة معينة، أو محاولة تحديد كيفية اتخاذ التنفيذيين لقراراتهم في قطاع أو قطاعات معينة. ولكن أخذ رأي الجمهور، أياً كان نوع أو طبيعة الجمهور، محفوف بمزالق يصعب حصرها. ولعل من أهمها: أولاً: أخذ رأي كل فرد من أفراد الجمهور شبه مستحيل أو باهظ التكاليف، ولذلك لا بد من اللجوء إلى أخذ عينة"تمثل"بدقة بقية الجمهور. وهذه معضلة لسببين رئيسيين إما لأن عدد أفراد العينة لا يكفي ليمثل كل الجمهور، أو أنه تم تجاهل أجزاء أكبر من الأجزاء التي كان يَظنُ انه مَثلهَّا. ونعطي مثلاً بانتخابات 1948 في الولاياتالمتحدة. فقد توقعت شركات استطلاع الرأي فوز المرشح الجمهوري توماس دوي ضد المرشح الديموقراطي هاري ترومان. والذي حدث، كما هو معروف، أن ترومان هو الذي فاز. وسبب الخطأ الذي كلف الكثير، إن من اختاروا العينة ممن يحق لهم الانتخاب، لجأوا إلى الهاتف لأن الاتصال عن طريقه أسهل من إرسال من يأخذون الرأي إلى كل مناطق القارة الأميركية الضخمة. ولكن من كان في منازلهم هواتف في آواخر 1947 هم من كانت مستويات دخولهم مرتفعة نسبة إلى غيرهم. ومن طبيعة الأميركيين السياسية في معظم الأحيان، على الأقل في ذلك الوقت، أن يصوت ذوو الدخول المرتفعة للجمهوريين. ولذلك فالعينة ممن توافرت في منازلهم هواتف وتم الاتصال بهم هاتفياً كانت تمثل الجمهوريين ولم تمثل بما يكفي الناخبين الأميركيين الذين قد يميلون للتصويت للديموقراطيين. وحتى في يومنا هذا، تعرف مؤسسات استطلاع الرأي انه إذا كان أحد المرشحين من الأقليات أو حتى أنثى، فإن الناس قد يقولون إنهم سيصوتون لمن لن يصوتوا حقيقة له حتى لا يبدوا لآخذي الرأي وكأنهم متحيزون لأسباب عنصرية أو من منطلقات نظرة دونية للنساء. ثانياً: قلة أفراد العينة أو اختلافها عن بقية الجمهور. فكم من المرات أعلنت وسائل الإعلام عن"فتوحات"طبية عظيمة، ثم ثبت عدم جدواها، إما لأنها أُُجريت على حيوانات تجارب، ولم تثبت بعد فائدتها للإنسان، أو لأن عدد من أجريت عليهم أقل من العدد المطلوب بالمقاييس الرياضية لتمثيل تنوع بني الإنسان من حيث"الموروثات"وطبيعة الأبدان. وكم من سلعة أُنتجت وُوزعت وسُوقت بناءً على استفتاءات لأخذ رأي"عينة"من المستهلكين، ثم بارت، وتحول الاستثمار لإنتاجها وبقية تكاليف محاولة بيعها إلى هباءٍ منثور. ثالثاً: أخذ رأي التنفيذيين لتحديد كيفية اتخاذهم لقراراتهم. وهذه استفتاءات مضحكة أحياناً لأن واضعيها توهموا أن الناس يفعلون كما قالوا أو كتبوا لمن بعث الاستفتاء بالبريد. ومن دون مغالاة كانت بحوث بعض من حصلوا على شهادة الدكتوراه في الدراسات الإنسانية تعتمد على كتابة رسائل وفقاً لإجابات على استفتاءات بُعثت بالبريد أو سُلمت للمساعدين والسكرتارية. ولم يخطر ببالهم ولا ببال الأساتذة المشرفين انه ربما أجاب على أسئلة الباحث سكرتير القائد التنفيذي أو أحد مساعديه لا الشخص المراد أخذ رأيه أو رأيها، حتى لو أفرطنا في حسن النية وتوهمنا أن أجوبة التنفيذيين ستكون متطابقة مع ما يفعلون يومياً بصورة تلقائية. رابعاً: استفتاءات الصحف العربية. ولا يدري المراقب من الذي أوهم محرر أخذ الرأي بأن"جميع"قراء صحيفته، دع عنك"عينة"غير"عشوائية"، وغير"كافية"عددياً، يمثلون رأي جمهور قراء الصحف أو جمهور المواطنين. وجوهر الموضوع يتلخص في أن أخذ الرأي أو إجراء الاستفتاءات عموماً، حتى حينما يتم بطريقة علمية من حيث"اعتباطية"أو"عشوائية"العينة، والتأكد من تنوع محتوياتها، وكفاية عددها، عمل صعب مكلف ومحفوف بمخاطر الأخطاء الكبيرة والمركبة أحياناً. أما إذا كان الهدف من إجراء الاستفتاء"الإثارة"أو زيادة عدد القراء، أو التشنيع أو المبالغات في ما يُراد إثباته، فحينئذ يتضح لكل من يميز بين الخطأ والصواب، أن نتائج الاستفتاء لا تختلف عن الدجل أو الدعاية التي تُلبس أثواب المنهجية العلمية. والله من وراء القصد * أكاديمي سعودي.