شهدت السنوات التالية لهجمات الحادي عشر من أيلول سبتمبر على أميركا اشتعال موجة عارمة من الحقد والتشوه ضد الإسلام والمسلمين. وما زاد من حدة اشتعال هذه المواجهة السقطات المروعة التي وقع فيها كبار السياسيين الغربيين من الرئيس الأميركي جورج بوش، الذي استحضر الحرب الصليبية CRUSADE عند إشارته إلى المعركة المقبلة ضد الإرهاب وتصريحاته حول الحرب مع الفاشية الإسلامية. وكذلك تصريحات رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو بيرلسكوني التي ادّعى فيها تفوق الحضارة الغربية على الحضارة الإسلامية. هذا فضلاً عن تصريحات الكثير من السياسيين المحليين والإقليميين في الغرب عموماً. فما هي حقيقة موقف الغرب من الإسلام، وما هي العوامل التي شكلت هذا الموقف وما هي تجلياته؟ يصوّر الإعلام الأميركي الإسلام على أنه مصدر للتهديد أو الخطر، وأنّ الإسلام يعني نهاية الحضارة كما يعرفها الأميركيون وبقية الغربيين، وأنه معادٍ للإنسان وللديموقراطية وللسامية وللعقلانية ! لا يفلت من هذه النظرة حتى عالم الأكاديميات وصفوف الذين تربطهم حياتهم الجامعية والمهنية بدراسة الإسلام، حيث من الواضح جداً أنّ ثمة معسكرين غير متكافئين على الإطلاق. أولهما الذي يضم الغالبية العظمى مُصرّ، لأسباب مختلفة محورها الرئيس إسرائيل، على أنّ الإسلام هو جوهر المشكلة الكبرى، وأنّ جميع الحركات أو الجماعات الأصولية الإسلامية تمثل خطراً حقيقياً على الغرب. في حين أن الثاني يشرح حقيقة الإسلام مطالباً بوجوب التمييز بين مجتمع الاتجاه العام الإسلامي، وبين المتطرفين الذين يهاجمون الناس في مجتمعاتهم،"ويهاجمونهم الآن في الغرب"، كما يقول البروفيسور جون اسبوزيتو أستاذ الدراسات الإسلامية ومؤسس مركز التفاهم الإسلامي - المسيحي في جامعة جورجتاون، ومؤلف الكثير من الكتب عن الإسلام. ويتعرض اسبوزيتو والكثير من زملائه في معسكر"الأقلية"إلى انتقادات حادة في كتاب صدر أخيراً بعنوان:"أبراج عاجية على الرمل"لأحد أبرز عتاة المعسكر الأول مارتن كرايمر، وهو صهيوني يدرّس في الولاياتالمتحدة وإسرائيل، ويرأس تحرير فصلية"الشرق الأوسط"التي أسسها دانيال بايبس. وعندما سُئل هذا الأخير عن الفرق بينه وبين جون اسبوزيتو كان جوابه:"ما أقوله هو أنّ هذه الأصولية الإسلامية حركة توتاليتارية، وأن كل شخص متورط فيها هو مشكلة، ليس فيها أي شيء جيد. أما هو فيميّز بين الأصوليات الجيدة والسيئة". وكان بايبس أكثر صراحة ووقاحة في رده المعنون:"بن لادن الأصولي"على البروفيسور دايفيد فورت أستاذ القانون في جامعة كليفلاند ستايت، ومؤلف الكتاب الحديث العهد"دراسات في الفقه الإسلامي: تطبيقات كلاسيكية ومعاصرة":"فكل مسلم أصولي مهما كان مسالماً في تصرفه، هو جزء من حركة قاتلة، وتالياً فهو نوع من جنود المشاة في الحرب التي يشنها بن لادن على الحضارة". ويعترض بايبس بشدة على قول فورت إنّ الإسلام الأصولي قائم ضمن حدود الإسلام التاريخي، ويجب التنبه إلى الفرق الأخلاقي بين طوائف مثل الوهابيين وجماعات إرهابية مثل القاعدة أو الجهاد الإسلامي، ومجتمع المسلمين والأصوليين في رأي بايبس يجب اعتبارهم قتلة محتملين، وهم مثل النازيين واللينينيين قد يعيشون حياتهم الخاصة من دون عنف، لكن دعمهم لقوة بربرية يعني أنهم أيضاً بربريون ويجب معاملتهم على هذا الأساس !!وربما كان أخطر من تعرض للإسلام وحاول أن يضرب في أصوله ما ذكره فوكوياما وهنتنغتون من نظريات حاولا إلباسها الثوب العلمي الاستراتيجي"وقد كتب صامويل هنتنغتون في مجلة"نيوزويك"الأميركية مجدداً عن نظرية صدام الحضارات التي دشنها للمرة الأولى في العام 1993، إذ قال إنّ بذور صِدامٍ عام بين الحضارات باتت منثورة. فردود الفعل على أحداث 11 أيلول ورد الفعل الأميركي جاءت وفقاً لمنظور حضاري، إذ إنّ حكومات الدول الغربية وشعوبها تعاطفت في شكل كاسح مع الولاياتالمتحدة وكانت داعمة لها وهي نظرية لحظتها صحيفة"لوموند"الشهيرة حين كتبت في عنوان رئيس:"كلنا أميركيون". أما فوكوياما صاحب نظرية نهاية التاريخ فقد كتب في مجلة"النيوزويك"مقالاً بعنوان"إنهم يستهدفون العالم المعاصر"انتقل فيه من مزاعم نهاية التاريخ إلى ادعاءات الفاشية الإسلامية، وقال فيه إنّ التحدي الذي يواجه الولاياتالمتحدة اليوم هو أكثر من مجرد معركة مع مجموعة صغيرة من الإرهابيين. فبحر الفاشية الإسلامية الذي يسبح فيه الإرهابيون يشكل تحدياً أيديولوجياً هو في بعض جوانبه أكثر أساسية من الخطر الذي شكلته الشيوعية. ويتساءل فوكوياما: هل سيحصل الإسلام الراديكالي على مزيد من المؤيدين وأسلحة جديدة أقوى يهاجم بها الغرب؟ ويجيب صاحب نظرية نهاية التاريخ: من الواضح أننا لا نستطيع أن نعرف، لكن بعض العوامل ستشكل مفاتيح لذلك. أول هذه العوامل هو نتيجة العمليات الدائرة في أفغانستان ضد طالبان والقاعدة، وبعدها صدّام حسين في العراق... وعلى رغم رغبة الناس في الاعتقاد بأنّ الأفكار تعيش أو تموت نتيجة استقامة أخلاقياتهم، فإنّ للقوة شأناً كبيراً. أما العامل الثاني والأهم في رأي فوكوياما، فإنه ينبغي أن يأتي من داخل الإسلام نفسه، فعلى المجتمع الإسلامي أن يقرر ما إذا كان يريد أن يصل إلى وضع سلمي مع الحداثة، خصوصاً في ما يتعلق بالمبدأ الأساس حول الدولة العلمانية والتسامح الديني. ويخلص فوكوياما إلى أنّ الصراع بين الديموقراطية الليبرالية الغربية والفاشية الإسلامية ليس صراعاً بين نظامين حضاريين يتمتعان بقابلية البقاء نفسها ويستطيع كلاهما ركوب العلم والتكنولوجيا وخلق الثروات والتعامل مع التنوع الموجود في عالمنا المعاصر. وفي هذه المجالات فإنّ المؤسسات الغربية تسيطر على الأوراق كلها، ولذلك فهي تُستثمر في الانتشار في أنحاء العالم على المدى البعيد، لكن الوصول إلى ذلك المدى يتطلب أن يبقى الغرب حياً في المدى القصير. إلاّ- أنه - وللحقيقة - فقد ظهرت على النقيض من هذه الأصوات، بعض الدعوات لقراءة الإسلام بطريقة مختلفة. فهذا فريد هاليداي أستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية في كتاب أصدره حديثاً بعنوان"ساعتان هزتا العالم... الحادي عشر من أيلول الأسباب والنتائج"، يخصص فصلاً كاملاً عن عداء الغرب للمسلمين رافضاً مقولة الإسلاموفوبيا، أي خوف الغرب من الإسلام أو العداء له، ويطرح بدلاً منها العداء للمسلمين، ويقول إن ليس ثمة عداء للإسلام كدين في الغرب بالمعنى الصليبي للكلمة على رغم وجود بعض ترسبات الإرث التاريخي والتصورات المتوارثة، لكن السائد والأهم في رأيه هو موجات العداء للمسلمين كناس وليس للإسلام كدين ونظرية... وهذه الموجات من العداء تصعد وتهبط تجاه المسلمين، وهي ذات جذور سياسية واجتماعية وليست ثقافية أو دينية. وفي السياق ذاته يؤكد الكاتب البريطاني جيمس بيل أنّ الإسلام دين حضارة وقوة عالمية وأنه إذا كان على المسلمين أن يبذلوا جهدهم لفهم الغرب، فإنّ الغرب يجب أن يتلقى الكثير من الدروس لفهم الإسلام، وذكر في مقال نشرته مجلة MIDDLE EAST INSIGHT أنّ الإسلام منهج حياة يمارسه أكثر من مليار وپ200 مليون مسلم، وأنه أسرع الديانات نمواً. وبالنسبة الى الدور الصهيوني، فقد أتاحت أحداث العنف التي قام بها بعض المتطرفين للأميركيين الصهاينة والمتصهينين أمثالهم فرصة تحرر ألسنتهم وأقلامهم من آخر القيود التي كانت تكبلها إلى حد ما. ويلاحظ متتبعو ما يُكتب ويُقال في وسائل الإعلام الأميركية أن هؤلاء هم أشدّ المحرضين على الإرهاب من الإسلام وكراهية المسلمين والعرب والإرهابيين. ومن الخطوات التي أزالت معظم الأقنعة - على سبيل المثال لا الحصر - انسحاب الكثير من الحاخامات والناشطين اليهود في كبريات المدن الأميركية من لقاءات للحوار الديني مع المسلمين يتطلّب الإعداد لها سنوات عدة. ويقول مالكوم هونلاين النائب التنفيذي لرئيس مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية الرئيسة:"إن اليهود بدأوا يكتشفون أنّ منظمات عدة تزعم أنها في موقع قيادي في الجالية المسلمة مرتبطة بدعم منظمات إرهابية، أو ترفض إدانة التفجيرات ضد إسرائيل". وينقل عن مراسل"النيويورك تايمز"ديفيد فايرستون أن على المجموعات اليهودية الآن أن تتفحص بدقة وعناية كل المجموعات الإسلامية الممكن محاورتها لئلا تدعم أي مجموعة معادية لإسرائيل. وحتى بعض قادة اليهود الليبراليين يقولون إنّ العلاقات مع المسلمين تدهورت بسبب اقتناع الكثير من الشخصيات الإسلامية بأنّ"العمليات الانتحارية ضد المواطنين الإسرائيليين مسوغة في مواجهة السياسة الإسرائيلية، وهي تالياً مختلفة عما حدث في الولاياتالمتحدة". ويختتم فايرستون مقاله ناقلاً عن مدير مجلس العلاقات المجتمعية اليهودية قوله:"قد تدين الغالبية الكبرى من العرب والمسلمين بعض الإرهاب، لكنهم مستمرون في إجراء تمييزات مخادعة بين أعمال الإرهاب هذه، وهو أمر سيبقى قضية مسببة للخلاف والشقاق بيننا، وما يؤسف له أنني لا أرى تحركاً يذكر في أي اتجاه إيجابي". * كاتب فلسطيني مقيم في دمشق