تحاول الحكومة العراقية امتصاص الصدمة التي أحدثها إعدام الرئيس السابق صدام حسين، من خلال السماح لعائلته بدفنه في قريته العوجة، وعدم التعرض للتظاهرات المؤيدة له، ودعوة العراقيين الى فتح صفحة جديدة، ملوحة بالسماح لحزب البعث بالعمل السياسي، وعودة الضباط السابقين الى مؤسسة الجيش. لكن شريط الفيديو الذي صور عملية الإعدام يظهر كأن الحكومة سلمت صدام الى"جيش المهدي"التابع لمقتدى الصدر لينفذ العملية التي بدت كأنها تصفية سياسية لا تتناسب مع"العراق الجديد"الذي يدعو إليه رئيس الوزراء نوري المالكي. وفيما نظمت تظاهرات، بعضها مسلح، منددة بإعدام صدام في بعض المدن العراقية، في محافطتي الأنبار وصلاح الدين ومدينة تكريت، وأقيمت مجالس عزاء في بعض الدول العربية، خصوصاً في الأردن واليمن وفلسطين، بايعت مجموعة بعثية نائبه عزة الدوري"رئيساً شرعياً للعراق وقائداً للقوات المسلحة". وقالت مصادر مطلعة في بغداد ل"الحياة"امس ان إعدام الرئيس السابق، بتوقيته وطريقة اخراجه، يندرج ضمن خطة للتغيير أعدت خلال لقاء الرئيس جورج بوش المالكي في عمان نهاية تشرين الثاني نوفمبر الماضي. ولفتت المصادر الى ان الشهر المقبل سيشهد تغييراً في طبيعة عمل الحكومة، انسجاماً مع الخطة الأميركية الجديدة، مثل حل هيئة اجتثاث البعث، وإصدار عفو عن المعتقلين في السجون العراقية والاميركية، وإنهاء محاكمات رموز النظام السابق، ما يضع حداً لتنفيذ احكام إعدام بحق مسؤولين آخرين، خصوصاً العسكريين منهم، لاستقطابهم الى الجيش. وعلى رغم نفي مسؤولين في الحكومة في اتصالات مع"الحياة"علمهم بمتغيرات استراتيجية تمت التهيئة لها بإعدام صدام إلا أنهم أكدوا ان المالكي"سيحاول استثمار الحدث إيجابياً بعد امتصاص زخم الصدمة التي ولدتها عملية الاعدام". وقال سياسي عراقي مقرب من رئيس الوزراء ل"الحياة"امس انه"في معرض إصدار عفو عام عن المعتقلين والطلب من البرلمان معالجة هيئة اجتثاث البعث او حلها، بالإضافة الى إنهاء صفحة محاكمات النظام السابق، وفتح باب الحوار والعفو عن معظم المسؤولين السابقين بعد ضمان موافقة الاكراد على ذلك". ولفت المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه الى ان"المالكي على اطلاع على اساسيات التغيير الاستراتيجي الذي يبلوره بوش، وفيها بعض من اقتراحات الزعيمين العراقيين طارق الهاشمي وعبدالعزيز الحكيم اللذين التقيا المسؤولين الأميركيين". واضاف أن"الاستراتيجية الاميركية الجديدة ستركز على زيادة عديد القوات وإعادة تنظيم واسعة لقوى الأمن العراقية تضمن إعادة الآلاف من عناصر الجيش السابق وإنهاء حقبة المحاكمات". في هذه الاثناء سيعمل المالكي الذي ظهر بمظهر"القائد القوي"عبر إصراره على تنفيذ حكم الاعدام بصدام، على حل ميليشيا"جيش المهدي"والميليشيات الشيعية الاخرى، لامتصاص نقمة السنة وحضهم على الاستجابة لمتغيرات عام 2007 وطي صفحة صدام وظروف إعدامه. لكن هذه الخطة قد تسير عكس ما خطط له المالكي والأميركيون، فقد أظهرت صور إعدام صدام وجوداً كثيفا لمؤيدي مقتدى الصدر، يبدو أنها رسالة عرفان من المالكي الى الصدر تسبق مطالبته بحل"جيش المهدي"والعفو عن عناصره المتهمين بتنفيذ مجازر طائفية. كما أن استجابة رئيس الوزراء طلب عائلة صدام بتسليم جثمانه ونقله على طائرة اميركية الى العوجة لدفنه، رسالة أخرى الى انصار الرئيس السابق أن الحكومة عازمة على فتح صفحة جديدة. وكان المالكي أصدر بيانا في أعقاب تنفيذ حكم الاعدام دعا فيه من سماهم"المغرر بهم من أزلام النظام البائد الى ان يعيدوا النظر في مواقفهم، لان الباب ما زال مفتوحاً أمام كل من لم تتلطخ أيديهم بدماء العراقيين في عملية إعادة اعمار العراق". الى ذلك بايعت مجموعة بعثية عراقية في بيان وزع على مجلس عزاء عن روح صدام أقامه حزب"البعث"الأردني في عمان، نائبه عزة الدوري"رئيساً شرعياً للعراق وقائداً للقوات المسلحة". وجاء في البيان الذي أرسله الفرع العراقي ل"البعث"الى نظيره الأردني على الأرجح:"باسم تجمع مواطني بغداد، نبايع اللواء عزة ابراهيم الدوري رئيساً شرعياً للعراق وقائداً للقوات المسلحة". يذكر أن الدوري، المعروف أيضاً ب"البريعصي"مطلوب لدى القوات الأميركية التي خصصت عشرة ملايين دولار مكافأة لمن يدل عليه، كان توارى عن الأنظار منذ نيسان أبريل عام 2003، ويعتقد بأنه يقود البعثيين المشاركين في المقاومة التي نجحت في قتل آلاف الجنود الأميركيين ومن قوات"التحالف". وأشاد البيان بالدوري الذي وصفته بأنه"القائد الرئيس للمقاومة الوطنية الباسلة الذي سيقود المعركة لتحرير العراق المحتل من الاحتلال الأميركي والبريطاني والايراني". وهنأ البيان الشعب العراقي"باستشهاد صدام حسين البطل والأب لثلاثة ملايين شهيد عراقي"، وذلك في إشارة الى العراقيين الذين قتلوا في الحرب العراقية - الايرانية عام 1980 والتي دامت ثماني سنوات، وحرب الخليج عام 1991، وضحايا العقوبات التي فرضت لثلاث عشرة سنة. كما تعهد"تحرير بلادنا من المجرمين الأشرار والصهاينة والفرس الجدد لاستعادة وحدة العراق".