قبل سنوات قليلة، إذا أقبل العام الدراسي الجامعي استعدت جموع الطلاب والطالبات لشراء ملابس جديدة و"أحذية"ذات طابع شبابي مناسب لهذه المرحلة الدراسية. وعلى رغم كل ما يطرأ على عالم الموضة والصرعات الشبابية من اتجاهات قد تبدو في جانب منها مبالغاً فيها، لأن الموضة التي اجتاحت الجامعات المصرية الرسمية منها والخاصة والأجنبية هذه السنة غريبة فعلاً، فبدلاً من الأحذية الرياضية أو حتى"الصنادل"التي يلجأ الشبان والشابات إلى انتعالها نظراً لسهولة الحركة فيها، غزت أروقة الجامعات"الشباشب"في شكل لم يسبق له مثيل. المشهد في الساحة المواجهة لمبنى كلية التجارة في جامعة القاهرة، إحدى أكثر الكليات المصرية ازدحاماً بالطلاب غريب حقاً. نظرة سريعة إلى الأرض حيث يقف مئات من الطلاب والطالبات للدردشة والتعارف كفيلة ببعث الكثير من الدهشة والتعجب. كرنفال مدهش من أصابع الأقدام من كل شكل ولون. بعضها بأظافر طويلة ومقلّمة بعناية وتعلوها ألوان زاهية، أو مقصوصة تبعاً لپ"القصة الفرنسية"بألوان طبيعية، وأخرى تبدو عليها معاناة واضحة في مجال النظافة الشخصية. ويمكن القول من دون مبالغة أن"الشباشب"غزت الجامعة هذه السنة غزواً غير مسبوق. رامي 19سنة طالب في الفرقة الثانية في كلية التجارة يقول متباهياً:"اشتريت شبشبين في مناسبة دخول الجامعة، وتعدى سعر كل منهما 150 جنيهاً". ولا يرى رامي غضاضة في ارتداء شبشب في الجامعة، بل العكس هو الصحيح، فهو لا يرتدي هذه الشباشب في البيت ولا حتى في النادي وذلك للمحافظة على رونقها. وتوافقه الرأي زميلته نانسي التي ترتدي هي الأخرى شبشباً ولكنه مرصّع بقطع ألماسية متلألئة في وضح النهار، وتقول:"الموضة حالياً هي الشباشب. ومن الطبيعي أن نجاري الموضة لا سيما إذا كانت جميلة وجذابة". أما عنصر"الراحة"فيبدو انه لا يهم نانسي حالياً من قريب أو بعيد. وكيف تذكره و"الشبشب"الذي ترتديه يتجاوز ارتفاع كعبه سبعة سنتيمترات. وتعترف نانسي بأن موضوع الراحة ليس أولوية بالنسبة اليها ولكنها تفضل الأناقة. وتقول إحدى الطالبات التي فضلت عدم ذكر اسمها أن موضة الشباشب"نعمة من السماء، فالأسعار تتراوح بين جنيهات قليلة وبضع مئات منها. وبصراحة فإن الشكل العام لا يختلف كثيراً ويصعب التفريق بين الغالي والرخيص منها، لا سيما بالنسبة إلى الفتيات إذ يمكن تمويه شكل الشبشب مهما كان رخيصاً وذلك باهتمام الفتاة في شكل أصابع قدميها". ومن منطلق مختلف تماماً، ينتعل حسين 21 سنة الشبشب منذ أعوام طويلة وحتى قبل أن يتحول إلى موضة. ويقول:"هذا هو الأسلوب الأمثل للوضوء خارج البيت، فالأمر لا يحتاج إلى وقت طويل لخلع الحذاء والجوارب". أصدقاء حسين في كلية الآداب، حيث يدرس، يرتدون جميعهم الشبشب لأسباب عملية بحتة تتعلق بالصلاة-. ويقول حسين بلهجة تطغى عليها السخرية:"حين دخلت الكلية في السنة الأولى وكنت أنتعل الشبشب، كان كثيرون من الزملاء والزميلات ينظرون إلي نظرات الاستهجان والاستعلاء. أما الآن فالغالبية تنتعل شباشب وتلقى كل تقدير واحترام وإعجاب على رغم أن بعض الشباشب لا سيما ما تنتعله الطالبات لا يناسب الحرم الجامعي في أي حال من الأحوال، نظراً الى ألوانها الفاقعة والبهرجة الزائدة فيها وإمعان بعضهن في إظهار جمال أقدامهن وهو ما يخالف الدين وطبيعة المكان". وللأساتذة وجهة نظر، فمثلاً يرى الدكتور محمد حسين الذي يدرّس مادة الإحصاء في إحدى الجامعات الخاصة أن ظاهرة انتعال الطلاب والطالبات الپ"شباشب"داخل الجامعة شكلٌ من أشكال الاستخفاف بالمؤسسة التعليمية ككل، ويقول:"احترام المكان والقائمين عليه لا يقتصر على الالتزام بتصرفات معينة والامتناع عن أخرى، بل يتضمن أيضاً الالتزام بمظهر محترم، ولو سكتت إدارات الجامعات على هذا الخلل فستظهر موضة الخروج بملابس النوم وسنفاجأ بطلاب وطالبات في فصول الدرس بالبيجاما ووقتها لن يتمكن أحد من الاعتراض، لأننا سمحنا بهذه المهزلة منذ البداية". ويوافقه الرأي هشام الدالي وهو والد طالب جامعي ممن ينتعلون الشباشب. ولكنه يؤكد على أن دوره ليس المنع ولكن النصح، ويوضح:"فوجئت بابني في اليوم الأول من الدراسة يتوجه إلى الجامعة منتعلاً الشبشب وكأنه ذاهب الى الشاطىء. واعتقدت للوهلة الأولى أنه نسي في غمرة استعجاله أن ينتعل الحذاء فنبهته إلى ذلك، لكنه أخبرني أنه سيذهب بالشبشب عامداً متعمداً. اعتقدت أنها دعابة، ولكنها لم تكن كذلك ولأنني ربيته على أننا أصدقاء منذ كان طفلاً فقد انتظرت الى حين عودته مساء وسألته إن كان قد تعرض لسخرية أو مضايقة أحد من زملائه أو أساتذته، فنفى ذلك تماماً مؤكداً لي أن زملاءه جميعاً ينتعلون شباشب في الجامعة لأن هذه هي الموضة". واستطرد الأب متابعاً أنه حاول أن ينبه ولده إلى أن"لكل مقام مقالاً"وأن علينا الاختيار بين ألوان الموضة لأن بعضها قد لا يناسب أسلوب حياتنا أو ثقافتنا أو مظهرنا، فقال لي بصراحة شديدة:"أشكرك يا بابا على النصيحة، ولكن هذه الموضة مناسبة لأسلوب حياتي وثقافتي ومظهري". وقررت في هذه اللحظة ألا أفتح الموضوع معه مجدداً وأن أترك موضة الشبشب تأخذ مجراها وتستنفذ ذاتها كغيرها من الصرعات". وحتى ذلك الحين، يستمر كرنفال الشباشب في جامعات مصر بانتظار وصول صرعة جديدة.