قلةٌ من المسؤولين العرب من نظرت إلى ما بعد صدام حسين في العراق بعد أن أصبح سقوطه - بحسب اعتقادهم - هو الحل لمشاكل المنطقة. وقلةٌ من العرب من توقعت ما سيحصل بعد اجتياح القوات الأميركية للعراق في نيسان ابريل 2003. وإذا كان كثيرون من العراقيين تطلعوا إلى اليوم الذي يرون فيه إطاحة نظام صدام حسين وكأنهم كانوا يحملونه على ظهورهم، فإن القليل منهم من توقع ما يحصل في العراق الآن. يقول معارضو نظام صدام حسين إن من عارض صدام حسين كان مصيره إما في المقابر الجماعية أو في أحسن أحواله الاعتقال، ولا يدري أهله إن كان سيعود إليهم أم يقضي داخل المعتقلات. غير أن الذين كوَتْهم نار الفتنة يقولون إن الذين كانوا لا يعارضون صدام كانوا في مأمنٍ مما أصاب غيرهم. أما اليوم، فلا يستطيع أحد أن يجزم أنه سيكون بمأمنٍ من القتل، أكان مع السلطة أو كان ضدها. فالعسكري أو الشرطي أو موظف الحكومة يودع أهله صباحاً، وهو يعلم أنه قد يأتيه الموت، من حيث يدري أو لا يدري، داخل حافلة نقل جاءتها قذيفة قاصدة أو طائشة. فإن سلم، فربما لن يسلم من سيارة مفخخة. وقد لا يكون من الموالين ولا مع المعارضين. أما إذا كان منتمياً إلى حزب البعث ... فقد لا يأمن"فِرَق الموت".... وإذا اعتزل العراقي هؤلاء وأولئك، وفضل أن يتنسك ويعبد الله في مسجد أو حسينية، جاءه الموت مع حامل حزام متفجر - مزعوم - أو سيارة يقودها انتحاري. ولو قال له قائل"أنج سعد فقد هلك سعيد"فلربما تأتيه قذيفة طائشة تذهب بسعد والقائل. ولعل عراقياً ينام ليلَته، وهو لا يأمن أن يبقى حياً إلى الصباح، يتذكر أيام حكم صدام حسين وما كان يلقى فيها من قسوة النظام والحصار، فيقارنها في نفسه مع ما آل إليه حاله فيردد مع الشاعر: ربَّ يومٍ بكيت فيه فلمّا صرت في غيره بكيت عليه. جالت هذه الأفكار في خاطري وأنا أتابع الجدل الذي أثاره مسعود برزاني عندما أمر بإنزال العلم العراقي ورفع العلم الكردي مكانه، وكأن العراق قد حلت كل مشاكله، ولم يبق منها إلا"ترف"المناظرة بين العراقيين حول ألوان العلم. وإذا كان مدمنو التسويات والترقيع قد يستطيعون إيجاد مخرج لقضية العلم، فإن الدعوة التي أطلقها الائتلاف الشيعي الموحد بزعامة عبدالعزيز الحكيم لتقسيم العراق إلى كانتونات مذهبية وإثنية، قد تأتي على ما تبقى من الهيكل العظمي العراقي. بعض العرب من الذين كرهوا دول الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية، كانوا يدعون الله أن ينصر ألمانيا. بل إن بعضهم أطلق على زعيم ألمانيا اسم"الحاج محمد هتلر". فلما وضعت الحرب أوزارها، نسجوا القصص الخارقة حول هتلر، وبعضهم زعم أنه متوارٍ عن الأنظار، وأنه سيعود ليؤدب الحلفاء. ولعل من العراقيين ممن أكلته الفتنة - وقد لا يكون له في هذه الفتنة ناقة أو جمل - يعيش مثل هذه القصص، ويحلم بأن صدام حسين - وقد لا يكون من أتباعه - سيخرج من سجنه، بطريقة أو بأخرى، لينتقم من أعدائه. بعض أصحاب الخيالات الخصبة لا يستغرب أن تسعى واشنطن - في ظل وضعها الداخلي المتأزم كي تجد لها مخرجاً لائقاً من أوحال العراق - لعقد صفقة مع صدام حسين تخرجه فيها من السجن فيخرجها هو من هذا المأزق الحرج. فبحسب هؤلاء أن لا مستحيل فوق أرض العراق. عراقيون يقتلهم الأميركيون وعراقيون يقتل بعضهم بعضاً. بعض القَتَلة لا يدرون لماذا يَقتلون! وبعض القتلى لا يدرون لماذا تُزهق أرواحُهم؟ والبسطاء، وهم أكثرية الشعب العراقي، لا يدركون الحكمة من كل هذا القتل. واشنطن وحدها تعرف أنها أخطأت الدخول، ولا تدري كيف تحسن الخروج. وإذا كان كثيرون من المعلقين السياسيين قالوا إن العالم بعد أحداث 11 أيلول سبتمبر هو غير العالم قبلها، فإن بعض الحكماء من السياسيين يعتقد أن أميركا قبل اجتياح بغداد هي غير أميركا التي ستكون بعد هذا الاجتياح، ومن يدري؟ الطاهر إبراهيم - كاتب سوري - بريد الكتروني