لا يختلف اثنان على رفض وإدانة أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر الأليمة، فكل شعوب العالم عبرت عن استنكارها لهذا الاعتداء الذي قتل أناساً أبرياء، ظلماً وعدواناً، ونحن نمر بالذكرى الخامسة لهذه الكارثة المروعة ونتابع التغطية الإعلامية العالمية بأسى وألم وحزن، من دون وقوف الزعماء والساسة والحكومات عند أسبابها ودوافع مرتكبيها، لمنع تكرارها في المستقبل، ولتجنيب أوطاننا الأوروبية والعالم أفعالاً من هذا النوع. إن سياسة الكيل بمكيالين التي تسود العالم وتصدر الدمار والموت للشعوب باسم الديموقراطية، وتدعم الديكتاتوريات بدلاً من دعم الحرية، وتشرعن الاحتلال الذي دمر وقتل أكثر من 200 ألف عراقي، وتجوع الشعب الفلسطيني عقاباً له على اختياره الديموقراطي، وتسكت عن المجازر الشنيعة في لبنان وفلسطين، وتبرر غزو أفغانستان واحتلاله، وتمارس إذلال وابتزاز الحكومات العربية لإرغامها على قبول أجندة سياسات غير منصفة تُخضع المنطقة وثرواتها. كل هذه العوامل ومبرراتها السياسية السخيفة، تنتج أناساً فقدوا أي أمل في حياة كريمة أفضل نتيجة اليأس الذي وصلوا إليه، الأمر الذي يدفعهم الى استخدام وسائل أكثر دموية، ومن الطبيعي في هذه الحال أن يشعر العالم بالفزع والخطر... ان مكمن الخطر هو في عدم الجدية في التعاطي مع هذا الواقع بإيجاد حلول للمشاكل والقضايا العادلة، فمن حق كل شعب أن يعيش بأمن وأمان، ومن هنا لا بد من إجابات واضحة ومنصفة عن أسباب تجويع الشعب الفلسطيني! وعن احتلال العراق وتنصيب من هم أسوأ وأكثر فتكاً بالشعب من النظام السابق! لماذا يقتل الأبرياء في أفغانستان بغير حق؟ لماذا الصمت على أحداث ومجازر أكثر وحشية من أحداث أيلول؟ وكأن الشعوب الإسلامية لا تنتمي الى جنس البشر. هل الإجابة عن هذه الأسئلة والتعاطي مع هذه القضايا بإنصاف وعدل في مجتمعات تتغنى بالعدالة والمساواة والقيم الأخلاقية والإنسانية صعبة؟ إن الإجابة المسؤولة المنصفة عن هذه الأسئلة هي الحلول الحقيقية للحد من الإرهاب. إن كل شخص عاقل ومنصف يدرك أنه من دون معالجة هذه القضايا يبقى الأمن مهدداً وهشاً في العالم، ولنكن صريحين مع شعوبنا: ماذا حققت سياسة محاربة الإرهاب وتجفيف منابعه؟ وما سخر لها من إمكانات ضخمة، لا يحتاج المرء إلى بذل كثير من الجهد والوقت للإقرار بأن ما سمي بمحاربة الإرهاب حقق فشلاً ذريعاً، بل كان سبباً في توسيع دائرة الإرهاب وفقدان الأمن في العالم، وشرع لاستصدار قوانين وإجراءات تنتهك حقوق المواطنين، وساهم في تهديد مكونات المجتمع الواحد، ومس روح الديموقراطيات الغربية العريقة التي كانت في الأمس القريب نموذجاً لعدد من المجتمعات المتطلعة الى الحرية. لقد أخذت هذه السياسات التي تصغي للأصوات التي تنفخ في نار فتنة صراع الحضارات ما يكفي من الوقت، وحري بمن وضعها ويطبقها وينفذها من دول العالم أن يتساءل: هل العالم الآن أكثر أمناً واطمئناناً ورقياً ورخاء كما يدعون؟! إن سياسة الهروب إلى الأمام وسياسة النفاق لن تجدي، والإصرار على استمرارها بعدما وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه، لن توقف هذه الأعمال الطائشة من دون أن تتوقف هذه المظالم ويعود الحق الى أهله وتتصالح الشعوب ويسود خطاب السلام عوض خطاب التهديد والوعيد الذي يذكي روح الانتقام وصدام الحضارات. بهذا النقد الموضوعي الواقعي الخالي من المغالطات والاستخفاف بالشعوب نكون فعلاً قد أسسنا دعائم للسلم والسلام. خميس قشة - هولندا - بريد الكتروني