كان "سالم" في الثالثة عشرة من العمر يعيش مع والديه وأخت تصغره بستة أعوام عندما حُوِّل الى عيادة العلاج السلوكي. أبوه يعمل في شركة تأمين كبرى، وهو يجيد الانكليزية، ويهتم بالكتب والمجلات العامة في الطب وعلم النفس. وعلى رغم ان اطلاعه أكسبه بعض الأفكار الخاطئة عن مشكلة ابنه، فإنه أبدى تعاوناً متردداً مع المعالج، لكنه بدأ تدريجاً يغير أفكاره ويتحمّس لخطة العلاج السلوكي في وقت قصير نسبياً. أما الأم فإنها ربة منزل تصغر زوجها بنحو 11 سنة. ويصف الأب علاقته بها بأنها تتسم بتقبّل متبادل، إلا ان هناك، بحسب تعبيره،"عدم توافق في الطباع، قد يكون بسبب فارق السن، مع انها من العائلة نفسها، وأحياناً فيها كثير من المشادات وصلت الى درجة الانفصال. المشكلات بدأت منذ زمن طويل. أنا بطبيعتي عصبي، وهي ربما تشعر بأنني قافل على حياتها... لكنها تسألني كثيراً عن تفاصيل حياتي العملية. وهذا يضجرني، ويشد أعصابي، لكن هدفها طيب". بدأت مشكلات"سالم"منذ كان في الخامسة من العمر. وعلى رغم ان الأب يذكر ان الطفل بدأ يمشي في سن مبكرة سنة وشهران وپ"يُلاغي"في تسعة شهور، إلا ان نموه اللغوي أخذ يتراجع مما جعله يبدأ الكلام في سن الخامسة تقريباً. وختم الأب وصفه لابنه - بعدما ذكر سلسلة طويلة من المشكلات التي يُعانيها - بهذه العبارة:"لم أترك طبيباً نفسياً معروفاً أو غير معروف إلا وذهبت اليه". وقد عدد للمعالج أسماء اطباء ومستشفيات وعيادات نفسية معروفة. وقرر الأب ان مشكلات ابنه متعددة، وحاول المعالج بالتعاون مع الأب ان يصوغها على الشكل الآتي: - يستجيب للمواقف بانفعال شديد وغضب. وعلى رغم انه لا يضرب ولا يعتدي على أحد ولا يحطم، إلا انه، عندما يغضب - من الأب مثلاً - يندفع نحوه ويمسك يديه ويعيق حركته. - التبوّل اللاإرادي ليلاً. - تشتت الانتباه وعدم التركيز. - قليل الصبر ومندفع في أفكاره. - يكره المدرسة. - يؤذي نفسه باللطم. أما علاقة التفاعل بين الأب والابن فاتسمت بالآتي: 1 - الافتقار الى الاتصال الوجداني بالطفل. 2 - اثارة مشاعر الذنب وإشعار الطفل بأن ما يعانيه الأب أو الأسرة هو بسبب تصرفات"سالم". فمن الملاحظ انه يقطع كلام أبيه ليقول:"أنت زعلان يا بابا... أنا ما بتكلم منيح؟ أنت معصّب... انت معصّب؟ انت شكلك مش مبسوط مني... مبسوط مني؟ مبسوط مني؟". ويجيب الأب:"أنا معصب بسبب تصرفاتك. أنا مش زعلان... لكن متضايق من اللي بتعمله". 3 - افتقار لغة التواصل الى التحديد النوعي لما هو مطلوب من الطفل ان يقوم به والاكتفاء بعبارات عامة غير محددة في ذهنيهما. 4 - ان هذا النمط من الاتصال يخلق موقفاً متسماً بالضغط النفسي وجواً أسرياً مشحوناً بالتوتر طوال الوقت، يستجيب له كلاهما بطريقة غير فعالة. 5 - الطفل نفسه غير مدرب على إظهار الاستجابات الملائمة في المواقف المتوترة، بعبارة أخرى لا يتحمل معايشة التوتر أو الوسائل الغامضة خلال مواقف التفاعل مع الأسرة. وقد تركزت أهداف العلاج على الآتي: - خلق مناخ اجتماعي تفاعلي مطمئن للأسرة. - تقليل المخاوف الاجتماعية للطفل، لأنها هي التي تعوِّقه عندما تطبق عليه المدرسة مقاييس الذكاء. - اعطاؤه فرصاً للنجاح في أداء بعض الأعمال حتى ولو كانت صغيرة داخل نطاق الأسرة. أما وسائل العلاج فهي ملطفة، ومنها: - تجاهل السلوك السلبي ولكن عدم تجاهل الطفل. - تغيير موضوع التفاعل أو توجيه انتباهه الى نشاط آخر. - الاستمرار في عملية تغيير الموضوع والنشاط الجديد. - مكافأة الطفل ودعمه اذا نجح معه أسلوب علاجه واندمج في أي نشاط بديل. - المحافظة على تعبيرات الوجه والاحتكاك البصري يجب ان تتسم بالود، أي تجنب النظرات الحادة أو الصوت المحتد أو المرتفع. - المحافظة على استمرار العلاقة الودية معه. ان تحسن سلوك المريض وكان واضحاً جداً، فقد تحقق الهدف الرئيس بعد انهاء الاجازة الصيفية، إذ أعيد اختباره في المدرسة وساعده هبوط درجة قلقه على أداء مقاييس الذكاء بنجاح، وانخراطه مجدداً مع زملائه في المدرسة. فضلاً عن هذا أكد الأب وجود تغيرات ايجابية اضافية في سلوك الطفل، عدّدها في النقاط الآتية: 1 - تراجعت عمليات الإمساك باليد يد الأب أثناء الكلام. 2 - تكرار الكلمات قلّ بوضوح. 3 - الانشغال باللعب. 4 - محاولة التصرف والاعتماد على نفسه الى حد ما. 5 - الرد على الهاتف وأخذ رسالة.