رحب بعض الأقلام العربية بشجاعة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بعد تصريحه بأن" قيادة حزب الله لم تتوقع ان عملية اسر الجنديين الاسرائيليين ستؤدي الى حرب بهذا الحجم، ولو علمت ان العملية ستقود الى هذه النتيجة لما قمنا بها قطعا". بعضهم اعتبر ان كلام السيد اعتذار عن الدمار الذي حدث، واعتراف بالهزيمة الماحقة سياسياً، واعلان صريح ان تلك الحرب كانت خطأ من أولها الى آخرها، ولذلك، فإن السيد قطع الطريق على المزايدين، واوقف توتر الموهومين بالنصر. لا ادري على أي اساس فسر بعض الاقلام تصريح الامين العام ل"حزب الله"بهذه الطريقة. فالسيد حسن نصرالله، بحسب النص الذي أمامنا، لم يعتذر، ولم يعترف بالهزيمة. والمقالات التي شرقت وغربت في تفسير تصريح السيد على هذا النحو هي مجرد امتداد للهجوم الذي يتعرض له"حزب الله"وأمينه العام منذ بداية الحرب. فالحديث عن شجاعة التصريح وصف مخادع، أو ذم بصيغة المدح، ولو ان"شجاعة"السيد تنطوي حقيقة على المعاني التي وردت في بعض المقالات لكان لزاماً على السيد حسن نصرالله ان يقول صراحة انه اخطأ في عدم التحرك وتسليم الجنديين ووقف الحرب. ولكان لزاماً أيضا على اللبنانيين القول للسيد لماذا لم تعلن الموافقة على تسليم الجنديين الأسيرين بعد أسبوع من الحرب لتلافي موت المواطنين الأبرياء وتدمير البلد. فالنتيجة التي قادت إليها الحرب أصبحت معروفة للجميع بعد يومين من بدايتها، فلماذا لم يتحرك"حزب الله"لممارسة هذه القناعة التي وردت في تصريح الامين العام؟ تصريح السيد حسن نصرالله جاء للجم السجال الدائر بين فريق النصر وفريق الهزيمة. وهو معني في الأساس بفريق الانتصار الذي تمادى في تفسير هذا الانتصار. فالأمين العام هنا لا يريد ان يخذل أنصاره وأنصار"الانتصار". لكنه أراد من هذا التصريح أن يقول لمناصريه في شكل غير مباشر: صحيح انتصرنا عسكرياً، وصمدنا في وجه الآلة العسكرية الإسرائيلية، وطاولت صواريخنا شمال إسرائيل، وفرضنا حال الحرب على المواطن الإسرائيلي الذي كان يعتقد بأنه بمأمن من الحرب، وأثبتنا لإسرائيل ولغيرها أن الأمور لا تحل بالقوة دائماً، لكن النتيجة من وراء كل ذلك كانت باهظة التكاليف. ولو علمنا أن رد الفعل على خطف الجنديين سيكون بهذه الوحشية لتغير موقفنا، وكلمة"موقفنا"هنا لا تعني الاعتذار. فهو أراد ان يقول لاصحاب الانتصار علينا تهدئة السجال مع الرافضين لمنطق الانتصار في هذه الحرب. وبهذا المعنى يمكن اعتبار تصريح السيد مسايرة للرافضين للانتصار وليس اعترافاً بالهزيمة. فالسيد هنا لم ينف الانتصار ولم يعترف بهزيمة، وانما قال ان الانتصار جاء على حساب أناس وأشياء كثيرة، لكنه انتصار في المحصلة النهائة. لا شك في ان كلام السيد حسن نصرالله اصرار بصيغة الاعتذار، ولو ان السيد اعتذر واعترف في شكل مباشر، كما تمنى البعض الذي فسر تصريحه لتغير حال السياسة في لبنان والمنطقة. فالاعتراف بالهزيمة والاعتذار عن هذه الحرب هو رفض لكل الحجج التي سوغت هذه الحرب. ولكن هيهات، فالسيد ما زال يتعامل مع نفسه قائداً للمقاومة وليس زعيماً سياسياً، وهنا تكمن مشكلة"حزب الله"مع بعض اللبنانيين، فضلاً عن ان السيد يحسب حساب الجماهير المأخوذة بوهم الانتصار، ويدرك ان الاعتراف بالهزيمة بعد اعلان النصر قضية خطيرة على مستقبل الحزب والمقاومة، على رغم ان السيد استطاع خلال الحرب ان يقدم النموذج للزعيم الذي يقول ما يفعل، ويحقق ما يعد به، ولو انه اعترف واعتذر كما قيل لانتصر فعلاً على إسرائيل ومنتقديه في العالم العربي، ولربما قلب الموازين وقدم ل"حزب الله"اكثر بمراحل مما قدمته هذه الحرب للحزب وموقعه محلياً واقليمياً. الاكيد ان التصريح لم ينطو على الاعتراف والاعتذار إلا إنه يشكل تحولاً مهماً في سياسية"حزب الله"، فهذا التصريح يمكن أخذه على انه إعلان صريح ومباشر عن رفض"حزب الله"لمبدأ الحرب في المستقبل. فالسيد في هذا التصريح أراد ان يقول رحم الله إمريء عرف قدر نفسه، ونحن لا مصلحة لنا في حرب مفتوحة غير متكافئة، فضلاً عن ان هذا التصريح يأتي في سياق تهيئة الرأي العام للمرحلة السياسية المقبلة التي سيحاول الحزب خلالها تغليب منطق السياسة على الحرب.