أنتم... وليل لبنان أطول من صبر أمهات الأسرى، أعمق من هذا العجز الصرف، وقبضة من الأسماء تختصر العيش، وسماء من حديد في غفلة الأمل، وسيدات لهن نسيان الحلم في الأمومة، ومشاف للاعتقال اللازم، ورجال يخلعون الوطن فجأة، وساحل ينكر"بيروت"، وقرى تُراودها البنادق عن ظلها، ومدارس لإصلاح الطمأنينة وتنمية البديل، والموت أصيل في المعاملة والتوقيت... أنتم... سألناكم أن تخفوا في الذهاب دونما طوب بيوتكم المنثور على الطرقات كالعار، وسألناكم أن تجنحوا للموت البطيء، حتى نستهل التفكير بكم، ونتدارك وازع الرغيف بيننا، وسألناكم أن تأخذوا فردات الأحذية اليتيمة، لئلا نخطئ في المقاسات وأي فردة تخص أي قدم فيكم، وسألناكم أن تجرحوا شجر الأَرْز لنطمئن أن له فطنة الأخضر في قلوبكم، وسألناكم أن تلتفتوا إلى ألعابكم لمرة أخيرة، وتوصوها خيراً بنا، فلها أظافر من بعدكم قد تنالنا، وسألناكم ما قبل الطريق أن تتركوا لنا أرقام هواتفكم وعناوين أبوابكم، وبالتفصيل الذي كانت عليه أيام صوتكم، وسألناكم أن تحذروا من النوم المبكر، فلنا في الفراش قمر أخير وحلم أخير وصباح أخير، قبل إغماضة الأرض بكم، وسألناكم أن تذرعوا الجنوب كاملاً، كيلا نبخس متراً واحداً حقه في النار، وسألناكم أن تتمهلوا، ليفسح لنا الزمن قليلاً في الدم والنياشين والمعركة ما قبل الأخيرة، وسألناكم أن تنضج فينا الصدمة الأولى لننجو بكم، على أقل تقدير، من النقل المباشر والتصوير لذاكرة الزمن، وسألناكم أن تشرحوا لنا الشمال، كيلا نتلعثم عند فقرة الانتماء، وسألناكم أن تترفقوا بالضغينة في ما بيننا، فلا يُمسّ مجدنا الرفيع كخيط الرجاء، ونبقى على سكين واحدة للثأر، وسألناكم أن يتراخى صياحُكم عند الذبح، فلن ترضوا فينا خجلاً واسعاً للتاريخ، وسألناكم أن تكثروا من زينة الموت، علّنا نعتذر بأن ذلك من فرط زهدكم في الحياة، وسألناكم أن تغفروا لحنطة الشرق، فخريف"بعلبك"لم يحن في القلب بعد، وسألناكم أن تسارعوا إلى التوابيت، علّ الله يصفح عنا لأنكم لم تخطروا أحداً بموعد هذا الرحيل، وسألناكم أن تقرأوا كتابكم ملياً، فلدينا مشاغلنا وارتباطاتنا نعالجها أولاً، مؤجلين حذو طريقكم، وسألناكم أن يطول النهار، فلنا خطى إليكم ستأتي، لكن في الوقت والصدق المناسبين - ربما -، وسألناكم أن تغضوا العتابَ عن قلوبنا حالياً، فلنا مضاربات لن نخسرها سريعاً، وسألناكم أن تقصّوا الضحك المشترك، وما تبقى من ليل نتقاسمه لكم في الذكريات، وسألناكم أن ترخوا للساحل يداً، فمداهنة البحر واجب وطني تمليه الحرب، وسألناكم أن ترتموا في أحضان الأثاث المحطم، وأذرع الحيطان المهشمة، لتنفضوا منها رائحة العائلات، فنرث من الشرف اسمه، وسألناكم أن تضحكوا إذ يُنسج لحمكم وعظمكم في حديد أسِرّة النوم، فمَن له في هذا الزمان حظ أن يغادر بكل هذه الحميمية مع سرير نومه غيركم؟!، وسألناكم أن ترصّوا الطين ليصدق في نمو الليمون لنصافحكم في طعمه بعد عام، وسألناكم أن تعيرونا شيئاً من حَلَقِ الصغيرات في آذانهن يرقدن به في النوم الأخير، لنكيد به سأم الصباحات، وسألناكم أن تحملوا أسماء تمنيتموها في الحياة، فما ضر إن اتسعت ذاكرتنا باسمين لكل واحد منكم، وسألناكم رجالاً أن تؤجلوا البكاء على عري الأسرة، حتى لا توقدوا حسرتنا وشماتة الأعداء، وسألناكم أن يكون نزوحكم وسطاً، فشرق"صيدا"رمز بين ضفتين يكابر في خوفنا - له - عليكم. أنتم... سألناكم أن تصفوا لنا القيلولةَ الأخيرة، لنقيس في أرواحنا مدى فرصة التجربة، وسألناكم أن تحفزوا في أرواحكم فكرة الإياب، حتى نبرر لأنفسنا هذا البقاء السافر. * شاعر سعودي