في اثناء الخمسينات، طرح يهود اميركا سؤالاً على انفسهم:"ما الداعي الى قيام اسرائيل؟". واليوم يطرح السؤال نفسه، في صيغة مختلفة بعض الشيء على قارتنا الأوروبية:"ما الجدوى من أوروبا؟". والجواب هو: القليل القليل، فهي لا تقدر على فوق ما تقوم به. فمثلما لا يعقل ان يطلب الى تلميذ إتمام معاملات طلاق، لا يعقل ان يطلب الى الاتحاد الأوروبي التدخل على نحو متماسك ونشط وفعال في لبنان او في الشرق الأوسط عموماً. وفي حال لبنان خصوصاً، يجب ان ينزل الاتحاد عن بعض طموحاته، ويقصرها على الحد الأدنى. فكثرة الشعوب والحوادث شلته. وعليه ان يسيطر على شلله ويخرج منه، بعد سنتين على الأرجح بحسب المحللين. وعلى رغم ذلك، يسود شعور بالتهديد القارة كلها. ويقود هذا بدوره الى السؤال التالي:"ماذا تفعل أوروبا؟". والجواب المباشر والصريح هو:"أوروبا تفعل ما أتحنا لها ان تفعل". الحق ان لهذا القول اكثر من تعليل واحد: فالهولنديون مثلاً لا يتساءلون عن دور الاتحاد اذ اختارت حكومتهم الضرب على الوتر الأحادي، وأعلنت عزوفها عن المشاركة في أي قوة متعددة الجنسيات، ولم تطلب مساعدة دول اخرى اتحادية في إجلاء رعاياها من لبنان. ولا يسع الاتحاد الأوروبي إلا التدخل السياسي في هذا النزاع. ويسعه، من باب آخر، ان ينسق بعض الخطوات المشتركة مثل إجلاء الرعايا والسياح الأوروبيين من لبنان، او إرسال قوات عسكرية تحت راية الأممالمتحدة في"مهمة سلمية". ويبذل الاتحاد جهده في سبيل تنفيذ المهمات الصغيرة هذه على أتم وجه من غير ان يفلح في ستر ضعفه الصارخ. فالموقف الأوروبي من النزاع تأخر، ولم يختلف في شيء عن الموقف الذي سبقت مجموعة الثماني الى إعلانه قبل ايام، في سان بيترسبورغ. وفي الموقف الأوروبي المشترك بعض من المواقف كلها: يقر الاتحاد بحق اسرائيل في الدفاع عن نفسها ويدعوها الى ضبط النفس، ويدين في الآن ذاته هجمات"حزب الله". ويطالب الاتحاد بإطلاق الجنديين الإسرائيليين فوراً، وبوقف الهجمات على القرى والمدن الإسرائيلية. ويدعو الاتحاد لبنان الى بسط سيادته على اراضيه، وبذل وسعه في التصدي لهجمات"حزب الله". وليس الموقف هذا، إجمالاً، مفاجئاً، وليس مطمئناً. فكيف بلغنا النتيجة المعيبة المحزنة هذه؟ بين الضغوط الديبلوماسية الإسرائيلية والأميركية، يجب التنبه الى خصوصيات الدول الأعضاء الأوروبيين كانحياز بريطانيا الى الولاياتالمتحدة وموقف ألمانيا الفريد من اسرائيل. والمحصلة ان على الدول الأعضاء استجابة إلحاح شعوبها في ترحيل مواطنيها الى ديارهم. ولكن لا أثر لاستراتيجية مشتركة تجمع الدول هذه. ويعم أوروبا التردد، وتحاول القارة ان تختبئ وتشيح بنظرها. فهي كالضائعة. تتشبث بمظلتها بعناد محاولة الاحتماء من اخطار العاصفة القادمة. وربما كان خطأ ياسر عرفات، عندما رفض"معايير كلينتون"، مرآة مسار الرياح. غير ان على اوروبا اليوم تخطي مرحلة التنبؤ بالطقس لإثبات نفسها ودورها. عن كريستينا بوليدو ، "أو كوزموس تو ايبينديتيس" اليونانية 25/7/2006