عاش جنوبلبنان امس تناقضات الحدث الذي يشهده منذ يومين، اذ امتزج فرح الناس بحزنهم فرح بدخول الجيش اللبناني الى مناطق لم يطأها منذ زمن طويل، من الخيام على بعد 7 كيلومترات من المطلة الاسرائيلية الى شبعا على تخوم مزارعها المحتلة، فيما كانت مواكب تشييع شهداء المجازر التي ارتكبتها اسرائيل خلال عدوانها على لبنان تتواصل في قانا وصريفا وبلدات اخرى. واستكملت لليوم الثاني عملية انتشار الجيش جنوب نهر الليطاني والعرقوب وقضاءي حاصبيا ومرجعيون. وانتشرت عناصر اللواء العاشر في الجيش اللبناني المؤلف من 3500 عنصر من ضباط ورتباء بقيادة العميد الركن شارل شيخاني، في نادي المرج في القليعة، الخيام، حاصبيا، راشيا، كفرشوبا وشبعا، بعدما تمركزت اول من امس، في الخردلي وثكنة مرجعيون التي اتخذها اللواء مقراً لقيادته. وأكد العميد شيخاني ان قوة تمركزت صباحاً في بلدة كفرشوبا 8 كلم شرق الخيام والتي تقع قبالة مزارع شبعا المحتلة. واستبعد العميد شيخاني الانتشار في كفركلا وبوابة فاطمة"حيث لا يزال هناك وجود اسرائيلي". وتشرف بلدة كفركلا على بلدة المطلة الاسرائيلية كما ان بوابة فاطمة هي معبر مقفل بين البلدين. وتمركزت عشر شاحنات وناقلات جند مؤللة من اللواء العاشر في مدرسة بلدة الخيام التي حاول الجيش الاسرائيلي عبثاً ومرات عدة دخولها وشهدت قصفاً عنيفاً ومواجهات ضارية مع مقاتلي"حزب الله". وذكرت وكالة"فرانس برس"ان الجيش اللبناني دخل الى بلدة الخيام ليجد منازلها وقد سواها القصف الاسرائيلي المتواصل لأسابيع عدة بالأرض. وتألفت قافلة الجيش من ناقلات جند وسيارات جيب وتمركزت في باحة المدرسة التي لم يسمح للصحافيين بدخولها. وقال ضابط في المكان وهو يشير الى الأبنية المجاورة وقد تحولت الى ركام،"ان زلزالاً مدمراً مر من هنا". وقدّم عريف في الجيش معولاً الى رجل كان ينبش في ركام ما تبقى من منزله ليسحب بعضاً من الثياب لأفراد عائلته. وقال عبدالرحيم عبدالله 40 عاماً:"لم يبق لي شيء تركنا المنزل سريعاً ولم نأخذ معنا أي شيء وليس لدي المال لشراء بديل عما فقدناه". وتطلع باتجاه الجندي الذي قدم لمساعدته وقال بحسرة:"يا ليتهم أتوا قبلاً لما كنا شهدنا كل تلك المآسي". المعلوم ان"حزب الله"كان يعارض انتشار الجيش اللبناني في الجنوب معتبراً انه سيكون حامياً لحدود اسرائيل ولن يكون قادرا في كل الحالات على الوقوف بوجه الجيش الإسرائيلي. وكان الجيش اللبناني غادر الخيام آخر مرة عام 1976 في مطلع الحرب الاهلية في لبنان ولم يعد اليها. وتبدو البلدة خالية تقريباً من سكانها وهي من دون ماء ولا كهرباء ولا هاتف. ووصلت الى مرفأ صور فجراً السفينة التجارية التي كان استأجرها الجيش لنقل عتاد وآليات اللواء السادس بحراً من الجية، وعلى متنها جنود وضباط وشاحنتان للجيش وست ملالات. وتوجهت من مرفأ صور الى بلدة قانا حيث انتشر عناصرها في هذه المنطقة وأقامت مركزاً لقيادة اللواء السادس فيها. وتعتبر هذه القوة مكملة لقوة الجيش التي انتشرت اول من امس، في اطار المرحلة الاولى. شبعا والمشهد المختلف ووصلت قوة من الجيش الى تخوم بلدة شبعا للانتشار فيها وهذه المرة الاولى التي يدخل الجيش البلدة منذ العام 1968. واستقبلها الأهالي عند مدخل البلدة بالزغاريد وذبح الخراف والتلويح بالإعلام اللبنانية ورفعوا صور الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورئيس كتلة"تيار المستقبل"النيابية سعد الحريري ونثروا الرز على عناصر القوة. وواصل الجيش انتشاره في اتجاه عيتيت، البياض، رشكنانيه وصديقين وصولاً الى مشارف بلدة كفرا. كما واصل الانتشار حتى مشارف بلدة القليلة جنوب مدينة صور أي قبل النقطة الثابتة التي كانت معتمدة من قبل الجيش في منطقة الحمرا. وانسحبت قوات الاحتلال الاسرائيلي ليل اول من امس من المواقع التي احتلتها في بلدات طيرحرفا، تلة الرويس، شيحين والجبين. فيما ابقت على تواجدها في تلال شمع، الطهيرة، علما الشعب، يارين، مروحين والبستان. تفجير 10 آلاف قنبلة عنقودية وأثناء انتشار اللواء السادس في الجيش في أطراف بلدة صديقين، انفجرت قنبلة عنقودية من مخلفات الاعتداءات الاسرائيلية ما أدى الى إصابة عريف. وكان الجيش - فوج الهندسة واصل إزالة القنابل العنقودية التي خلفها العدو وتفجيرها في بلدات النبطية: يحمر الشقيف، ارنون، زوطر الغربية، زوطر الشرقية، قعقعية الجسر وكفررمان، وفجر حتى الآن عشرة آلاف قنبلة عنقودية القتها الطائرات المعادية فوق تلك القرى وغيرها. وجرح المواطن احمد محمد عبدالله شقير 37 سنة في انفجار قنبلة عنقودية في بلدة زوطر الغربية، ونقل الى مستشفى الشيخ الشهيد راغب حرب في تول، وأجريت له الاسعافات اللازمة. وذكر الاهالي انهم عثروا في بلدات الشهابية وجويا والمجادل على اشكال الغام تحتوي على صواعق خلفية تنفجر في حال تحريكها اضافة الى قنابل عنقودية تهدد حركة المواطنين. وعقد اهالي بلدة يحمر الشقيف مؤتمراً صحافياً على انقاض منازلهم، وتحدث باسمهم سمير قاسم، الذي اعلن"أن البلدة منكوبة، وهناك 40 وحدة سكنية مدمرة بالكامل و170 منزلاً مهدماً جزئياً و250 منزلاً متضرراً". ودعا الى"الاسراع في إيجاد حل للعائلات التي اصبحت من دون مأوى والى اغاثة العائلات المشردة وتنظيف البلدة من القنابل العنقودية". ووصل الى بلدة الجبين نحو 200 عائلة، ومعظمهم لم يجدوا لهم مأوى، فناشد الاهالي المنظمات الانسانية والصليب الاحمر الدولي التوجه الى البلدة لتقديم الحاجات الضرورية ودعم بقائهم. تشييع الشهداء ولم يغب الخرق الاسرائيلي للأجواء اللبنانية ولا سيما خلال تشييع الشهداء. وخرقت الطائرات الحربية اجواء البقاع الغربي ومنطقة جزين أيضاً، وضاحية بيروتالجنوبية، اثناء تشييع"المقاومة الإسلامية"لشهدائها في روضة الشهيدين. وفتحت امس المقبرة الجماعية التي حفرت بالقرب من ثكنة بنوا بركات في صور ودفنت فيها جثامين الشهداء كوديعة. ادارة مستشفى صور الحكومي جثامين الشهداء الى ذويهم وسط مشاهد مؤثرة ليصار الى دفنها في القرى. وقارب عدد الجثث 135 موزعة على عدد من قرى الجنوب ابرزها صريفا، دير قانون النهر، الحلوسية، شحين، الجبين وقانا. وانتظرت البلدات عودة اطفالها ونسائها الذين مزقت الصواريخ الاسرائيلية اجسادهم في الملاجىء وفي البيوت التي اعتبروها آمنة. وحفرت مقابر جديدة في البلدات وانحنت النسوة بالاسود على الحفر يبكين، ووضعن صور الشهداء او ما سلم منها امام الحفر وانتحبن طويلاً. واستقبلت قانا جثامين 29 شهيداً سقطوا في المجزرة التي ارتكبت قبل زهاء عشرين يوماً. وتجمع الأهالي في منطقة حي الحريبة المحاذية لمكان المجزرة حيث تم حفر 29 ضريحاً. ووريت الجثامين الثرى بعد الصلاة عليها بمشاركة أهالي البلدة. وشيعت"المقاومة الاسلامية"عدداً من عناصرها. وفي النبطية الفوقا شيعت الشهيد علي احمد غندور في موكب حاشد اخترق الساحات والطرقات، ولف جثمان الشهيد براية"حزب الله". وفي البابلية، شيع الشهيد حسين حطيط، وفي بلدة الكفور شيعت المقاومة الشهيد ابراهيم رجب. وشيعت بلدة كفرملكي الشهيد حسن حمادي في موكب مهيب. كما شيعت المقاومة الشهيد خطار محمود رمال وسار الموكب في شوارع البلدة وسط نثر الورود والرز على الجثمان وصيحات التكبير والشعارات المنددة باسرائيل وأميركا.