أحد تعريفات الجنون السياسي أن تكرر نفس السياسات الفاشلة مرات لا تحصى أملاً كل مرة بنتيجة مختلفة. وهكذا تعود علينا مرة أخرى إسرائيل لتدمر في لبنانوفلسطين أملاً بنتيجة مختلفة. لكن وللمفارقة والجنون! لربما تكون النتيجة فعلا مختلفة هذه المرة، ويبدأ العد العكسي لنهاية اسرائيل خلال العقود الخمسة المقبلة. وكان أكثر من سياسي ومعلق اسرائيلي اعتبر ان الحرب الاسرائيلية في لبنانوفلسطين هي"حرب وجودية"- وهو تعريف يستهجنه اللبنانيون والفسطينيون ويرون فيه تمويها وتبريراً ل"حرب إختيارية"تهدف الى ضرب لبنانوفلسطين والتخلص من حماس وحزب الله بوحشية. وكان رئيس الوزراء السابق أرييل شارون رأى في الانتفاضة الثانية استمراراً ل"حرب الاستقلال"أي نكبة 1948 باعتبار أن الفلسطينيين حاولوا منذ ذلك الوقت ودون توقف"تدمير"دولة اسرائيل وبناء"فلسطين الكبرى"كما أشار وزير الحرب السابق شاؤول موفاز. وإذا كان المرء يحتاج الى كثير من الخيال كي يفسر احتجاز ثلاثة جنود من أجل استبدالهم بمحتجزين عرب على أنه حرب وجودية، فإن الحرب الاسرائيلية التي يقودها جنرالات حاقدون ومتعجرفون وبالتالي أغبياء لم تستوعب التاريخ ولا تفهم الجغرافيا، يمكن أن يكون هدفها تدمير لبنانوغزة على المدى القريب ولكنها تمهد لتقويض الحلم الصهيوني على المدى البعيد. لقد ازدادت إسرائيل قوة وشراسة وعصرنة في العقود الاربعة الاخيرة، إلا انها لم تربح حرباً واحدة منذ انتصارها في حرب حزيران يونيو 1967. بل قُتل من الاسرائيليين في الانتفاضة الثانية على أيدي التنظيمات الفلسطينية أكثر مما قُتل خلال تلك الحرب حين واجهت الدول العربية مجتمعة، واستمرت حربها في لبنان اكثر من شهر دون اي حسم عسكري. واضطرت الى الانسحاب من سيناء بعد حرب تشرين الأول/ اكتوبر 1973، إضافة الى جنوبلبنان بعد -- سنة من المقاومة، وقطاع غزة بعد الانتفاضة الثانية الى ان عادت تتخبط في مواجهة مقاومة شعبية تزداد هي الاخرى صلابة وتمسكاً بقضاياها. وتبين في كل مرة أن إسرائيل لا تفهم ولا تتحرك إلا بمنطق القوة وبعد دمار وقتل وفشل استراتيجي، وأنها رفضت التخلي عن سياستها الكولونيالية واحتلالها كلما شعرت هي وحلفاؤها في واشنطن بارتياح أمني. وإذا كانت دروس القرن العشرين تشكل أي دليل، فإن تل أبيب ومن ورائها واشنطن ستخسر حروبها غير المتكافئة كما سبق وخسرها الألمان والانكليز والروس والاميركيون والفرنسيون والايطاليون على رغم تفوقهم العسكري والاقتصادي على الشعوب التي كانت تحت سيطرتهم، كما أكد اهم الخبراء العسكريين الاسرائيليين البرفسور مارتن فان كريفيلد في مقالة له في"هيرالد تريبيون"حول الحرب الدائرة في لبنان. وعلى رغم كل ما يمكن أن يقال عن الضعف الرسمي العربي وعن المؤامرات والمساومات غير المشرفة، إلا أن حكومات اسرائيل بعجرفتها أحياناً، وجبنها أحياناً أخرى، فشلت في تحويل إنتصاراتها العسكرية حتى سنة شارك المقال