لم ينس السينمائيون المشاركون في دورة هذا العام لمهرجان لوكارنو السينمائي في سويسرا، الحرب الظالمة التي تشنها إسرائيل على لبنان، ولا تلك الحرب الدائرة في فلسطين. فقد حمل أكثر من 300 سينمائي في مدينة لوكارنو أعلاماً تنادي بالسلام بكل اللغات ومن بينها العربية."نداء لوكارنو"كما أطلقوا عليه يحمل مطالب محددة"أن يتم وقف إطلاق النار الفوري في لبنان وأن يتم إنقاذ ضحايا جنين وأن يكون هناك تدخل سريع من الأممالمتحدة لوقف هذه المأساة". إنه نداء يحمل بعض الكلمات التي قد يعتبرها البعض مجرد كلمات لا تسمن ولا تغني من جوع إلى العدالة، كأنها بالنسبة الى أي طامح بالسلام نقطة ماء في بحر من الدم والظلم، ذلك الظلم الذي يدينه الجميع. ومع هذا كان مهماً ان يشارك في توقيعه صحافيون ومخرجون وممثلون من أصول يهودية. ولم يكن غريباً أن تعلق لافتة كبيرة بالقرب من دار العرض الرئيسة في المهرجان كتب عليها"بوش وأولمرت مجرما حرب". إنها إدانة أكدها الجميع بمن فيهم سينمائيو إسرائيل، الذين حملوا أفلامهم لتشارك في المهرجان لترصد حال الرعب والخوف التي تفرضها الحرب على الإنسان. شاركت إسرائيل في مسابقة"فهود الغد"بخمسة أفلام روائية قصيرة تدور في فلك متباين من الأحداث، لكنها تلتقي عند نقطة واحدة: إنها الحاجة الملحة الى السلام والعيش الآمن مع الآخر ورفض هذه الحال الدائمة من الرعب والخوف التي يعيشها الطرفان. تلك الحال التي جسدها جيداً فيلم"ليلة مظلمة"للمخرج ليون بروفسكي من خلال جندي إسرائيلي من أصل روسي يستشعر حالاً من الرعب الدائم، رعب أن يقتله أحد، رعب أن يبقى وحيداً في هذا البلد. الرعب من كل شيء، يحمله هو وزميله بعدما تفجرت سيارتهما، على اقتحام منزل فلسطيني وإرهاب زوج وامرأته الحامل للبقاء لديهما تحت تهديد السلاح. ثم نجدنا أمام حالين إنسانيتين بين أعداء، الأولى حينما يقرر صاحب المنزل - الملم بالطب - أن ينقذ أحد الجنديين الذي ينزف الدماء إثر إصابته في السيارة، والثانية حينما يساعد الجنديان الزوج على"توليد زوجته"التي جاءها المخاض. وبينما يكتشفان ضرورة نقلها الى المستشفى يرفض الجنديان ذلك بسبب رعب الموت الذي يهددهما في الخارج. وفي النهاية يتواجه الطرفان بالسلام، الزوج / الخائف على حياة زوجته وطفله المرتقب والجندي / الخائف على حياته من الموت، انه الخوف نفسه الذي يدفعهما الى قتل بعضهما بعضاً بطلقة رصاص واحدة. رعب الإحباط رعب آخر حمله فيلم"جندي وحيد"للمخرجة تاليا ليفي، رعب يخلفه اليأس والإحباط وكراهية الواقع الذي يجبر البعض على القيام بأعمال لا يرغبون فيها، تماماً كتلك المجندة الإسرائيلية التي تكره واقعها وتحلم بلا صبر بموعد رحيلها عن إسرائيل، وأملها الوحيد هو أن تأتي زميلة لتحل محلها، لكن زميلتها التي تعيش الواقع نفسه تهدر هذا الحلم بالرحيل، وتستسلم للانتحار. انه المصير نفسه الذي يلاحق الطرفين في فيلم"طريق"للمخرج نداف لابيد. فعلى احدى الطرق الممتدة في صحراء إسرائيل حيث يعمل بعض الفلسطينيين تحت إشراف إسرائيلي، ينتهز العمال فرصة انشغال مشرفهم بالحديث مع زوجته عبر الهاتف، ويقيدونه ويهددونه بالسلاح، ونفاجأ بأحدهم يحمل مسودة طويلة كتبها بخط يده ترصد ضحايا العنف والظلم والاحتلال الإسرائيلي تفصيلياً، وعلى رغم رغبة زملائه في إنهاء العملية سريعاً، يُصر هو على مواصلة القراءة، ويستغيث الإسرائيلي قائلاً:"أنا لم أؤذيكم"لكن هذا لا يجدي، إذ يلقي أحدهم بمسودات زميله أرضاً ويدير وجهه، ويقتل الإسرائيلي. انه قتل يحمل توقيع ملايين الضحايا الأبرياء من شيوخ ونساء وأطفال وشباب في مقتبل العمر"لم يؤذوا إسرائيل"لكن ربما كل ذنبهم أنهم فلسطينيون. انه المنظور نفسه الذي يدفع الى كراهية الآخرين وقتلهم بفعل الثأر، ويجسده فيلم"صرصرات"للمخرج ماتان غوجنهيم، عبر شخصية إيدو الشاب الإسرائيلي الذي يفقد والديه إثر عملية انتحارية في المدينة وتطارده دائماً صرصرات متواصلة في أذنيه، صرصرات تحمل أصوات رصاص وقنابل وصراخ لا ينتهي. وهو يعيش وحيداً في حال من الهلع النفسي، لا يطمئنه حتى صديقه الذي يحمله إلى أحد الأماكن المؤمنة التي تضم الشباب للاستمتاع، ولا يطمئنه اتفاق السلام الذي وقعه رابين، بل بالعكس يزيده غضباً وثورة ويدفعه إلى أن يحضر بنفسه عدداً من المتفجرات للثأر والانتقام. انتقام خاطئ وملعون آخر يحمل هذه المرة توقيع مخرجي فيلم"أوفسايد"إريز نضمر وجولي ناتيف، فبينما يحرص جنديان في أحد المواقع الإسرائيلية المحاطة بالأسلاك الشائكة على الأمن يحاول أحدهما ضبط راديو صغير لمتابعة مباراة ساخنة للمنتخب الإيطالي لكرة القدم، لكنه يسمع وقع أقدام فيلقي بالراديو ويشهر سلاحه وزميله في وجه اثنين من الشباب الفلسطيني المسلحين، وبينما يتواجه الأربعة بالسلاح تتلاحق أحداث المباراة بصمت، ويعلو صوت الراديو فجأة فيشير أحد الفلسطينيين للجندي الإسرائيلي بإعطاء ركلة للراديو وليواصل الأربعة متابعتهم للمباراة في تحفز وترقب للأهداف، وإذ يتحقق هدف تنطلق رصاصة من جندي إسرائيلي لتصيب فلسطينياً، ونرى الجندي الإسرائيلي يملأه شعور بالذنب لهذه الطلقة التي لم يقررها، لكن حتى هذا الشعور بالذنب لن يغير مصيرهم، حيث يتبادلون إطلاق النار ويسود الصمت ونجدهم أربعتهم موتى على الأرض في النهاية.