هل سينشأ جيل من العراقيين هو جيل الشباب اليوم لا يعرف ما ينبغي معرفته عن السينما لا فناً ولا تقنيات ولا إخراجاً. ولا أفلاماً تكشف عن تطور هذا الفن، وصالات عرض شكلت في بعض المدن الحديثة جانباً مهماً من"فضاءات الثقافة"، وجمهوراً يكون هو منه اعتدنا ان نسميه"جمهور السينما"، وقد شكلت السينما جانباً مهماً في ثقافته؟ يطرح هذا السؤال اليوم في العراق عدد من المثقفين والمعنيين بقضايا الفن السينمائي، وهم يقدمون جواباً شبه حاسم بأن الأمر سيحصل إذا ما استمرت الحال على ما هي عليه من ترد وفوضى في الواقع الاجتماعي الأمني لهذا البلد. ان استمرار عملية تهميش الثقافة في مصادرها كافة، ولّد لدى الكثر شعوراً بأن آخر ما يمكن أن يعني الاحتلال وپ"سلطاته"هو الثقافة. ويجد هؤلاء في إقفال صالات العرض السينمائي العريقة في بغداد ومدن أخرى لها وضعها الثقافي المميز، كالموصل والبصرة، ما يدق ناقوس الخطر في هذه القضية بالذات... لنجد جيلاً وربما هناك جيل آخر في طور التكوين لا يعرف ما كان يعرفه سابقوه عن السينما -. لقد استطاعت دور العرض هذه، في عقود الستينات والسبعينات وبعد الثمانينات، ان تخلق"تقاليدها، الخاصة بها، لجهة الاهتمام بأنماط من الأفلام، وطبيعة العروض التي تقدم والجمهور الذي تستقبل في كل عرض من عروضها اليومية. وللحكاية بدايتها: فقبل نحو عام، أو أكثر، كانت شكوى أصحاب ما تبقى من دور العرض السينمائي في بغداد هي ان"عروضهم"تكاد تكون بلا جمهور، ومع ذلك كانوا يصرون على الاستمرار فيها على تهافت مستواها وشحة إيراداتها... فهم يرمون من خلال ذلك كما قال يومها مدير إحدى دور العرض هذه تأكيد حضورهم والإبقاء على السينما في حياة المدينة. إلا أن صاحب دار العرض هذه اضطر، هو الآخر، في النهاية أن يغلق"صالته"تأميناً على حياته وحياة من تبقى من العاملين معه... فضلاً عن أن باب صالة العرض هذه شأنها شأن سواها من صالات أخرى تتوزع في الأحياء المهمة من بغداد لم يعد يطرقه أحد... ليس فقط لرداءة مستوى ما تقدم من أفلام، وإنما لأن"التجوال"في المدينة أصبح حالاً محفوفة بأكثر من خطر ومن أكثر من مصدر. والمسرح؟ وعلى هذا فإن صالات العرض هذه أغلقت أبوابها من دون اتفاق مسبق بين أصحابها... فضلاً عن أن بعضها قد انتهى الى شيء آخر، لا علاقة له بالفن، ما يعني خسارة كبيرة لا أعتقد ان في الإمكان تعويضها، في الأيام المقبلة إذا واتت لمثل ذلك بسهولة. فإذا ما أضفنا حال السينما هذا الى حال المسرح في العراق الذي أصبح جمهور ما ينجز من أعمال هم العاملون في المسرح، ولا قليل سواهم تصورنا حجم الكارثة الثقافية التي يعيشها"العراق محتلاً". فقد بدا من سنوات الاحتلال هذه التي نحن اليوم في الرابعة منها انها لم تحمل إلينا"رياحاً جديدة"تكتسح ما كان على هذه الأرض من"ثقافة مرفوضة"أو"محتجاً على طبيعتها"... وإنما المسألة كما تتأكد يوماً بعد آخر هي في اكتساح كل ما على هذه الأرض العريقة من وجود ثقافي له معالمه التاريخية، لإيجاد أرض خالية من كل ظل لوجود الإنسان المثقف الذي أصبحت معدلات هجرته ترتفع كل يوم، وقد أصبح"هدفاً"وليس"غاية"... الأمر الذي أثار لدى بعض المثقفين تساؤلات عدة أهمها ما إذا كانت قوات الاحتلال وهي تمضي في مسارها ستمضي في خطوات تالية الى"إخلاء الأرض"من بعد احتلالها؟ ويدعم المتسائلون سؤالهم هذا بما يجدونه يتفاقم على أرض واقعهم من أزمات تكاد تفرغ كل شيء من محتواه، ان لم تكن فعلت: من مؤسسات الفن الى مؤسسات العلم... ومن العقول الثقافية الى مواهب الفنانين... لتصل، في الآخر، الى تسليم ما يتبقى لجوف الصحراء. إنها ليست نظرة عدمية، أو موقفاً متشائماً من المستقبل، بل هو الواقع الذي يتحدث فيه الوطن.