تلف الشرائط الصفر المباني المهدمة في الضاحية الجنوبية. ترتفع أعلام"حزب الله"فوق الركام، وبضعة أعلام لبنانية. وعلى المبنى المواجه للافتة التي تقول إن"حارة حريك"ترحب بزائرها، ترتفع صورة عملاقة وحديثة للأمين العام لپ"حزب الله"السيد حسن نصر الله وعليها:"السلاح الذي حرر الأرض هو سلاح مقدس". لا يخفي عناصر"حزب الله"المنتشرون في المكان أسلحتهم، ولا أجهزتهم، صبيحة اليوم الأول لوقف"الأعمال العدائية". يسألون عن مهمة وهوية كل داخل إلى المنطقة المنكوبة، ويمنع غير المعني من التجول في المنطقة. في المكان أشخاص كثيرون، يجولون بين الأنقاض بمحاذاة الشريط الأصفر. يرسم الشريط خريطة سيرهم وسط الدمار ويحمل توقيع"نصر من الله وdivine victory". فوق الركام المحيط بجامع القائم، تضرب الحاجة أم عباس المتشحة بالسواد وجهها بكفيها. تنظر حولها غير مصدقة. وتعود إلى ضرب وجهها. لم تخسر الحاجة أياً من أفراد عائلتها خلال القصف، ولا حتى منزلها. لكنها مستاءة، كما تقول:"من الذي حل بالبلد، وبالجيران"، وتؤكد إنها مستاءة تحديداً لأن بيتها لم يسقط مثل بيوت جيرانها"فداء للسيد". وتبدأ الجرافة عملها بإزالة الركام تمهيداً لفتح الطريق من جديد. على مقربة يقف شبان وفتاة مستاؤون من عناصر"حزب الله"الذين"منعونا من الصعود إلى بيتنا". بوابة البناية مقفلة بجنزير حديد والمفتاح بحوزة عناصر الحزب الذين يقولون إن ليس باستطاعة أهالي المبنى الصعود إلى منازلهم اليوم. الطريق من مسجد القائم نزولاً تؤدي إلى الرويس. منطقة أخرى منكوبة. المبنى خلف"مجمع سيد الشهداء"لا يزال يحترق منذ ليل أول من أمس. يندب أحمد حظه العاثر، ويقول انه اشترى الشقة في الطابق الثامن"على الإسكان"قرض سكني، ووجدها بعد"ألف يا ويلاه"تعب كبير. البناية حيث شقة أحمد سقطت في"الضربة الأخيرة"أول من أمس. خلف أحمد مباشرة يرفع مراهق يديه إلى السماء، قائلاً:"شو بيتعوض". يحاول صديقه مواساته من دون أن يفلح:"ليك كيف نازلة عالمسطرة"وكأنها قُصّت بمقص، يضيف المراهق مشيراً إلى البناء حيث شقة عائلته وقد سوي بالأرض. الدمار يغطي المجمع ومحيطه. ورائحة البارود تعبق في الجو. وكذلك روائح قد تكون لجثث لا تزال تحت الأنقاض الكثيفة. تنتشر المحلات التجارية على جانبي الطريق المغطى بالدمار. أبواب معظمها تطايرت بفعل قوة ضغط الانفجارت، لكن محتوياتها لا تزال مكانها. لم تتعرض المنطقة للسرقة كما يبدو، فأمام كل محل وكل مبنى تقريباً يقف عنصر من"حزب الله"حارساً. تشبه أحاديث الزائرين بعضها البعض. يتحدثون عن الدمار والخسارة. ويلعنون إسرائيل مكيلين لها أثقل أنواع الشتائم، وإن كان بعضهم لا يغفل التفكير في الخطوة المقبلة:"وين بدنا نروح على أبواب الشتاء وأبواب رمضان"، يكون أحد الأسئلة الكثيرة. في الرويس كما في كل مكان من الضاحية المهدمة، تكثر الحكايات. تقول أم علي إنها غادرت منزلها منذ 15 يوماً، ولم تعرف انه سقط إلا اليوم. ترفع عن الأرض صورة طفل محمول على كتفي والده، وتقول:"أكبر حمد أن انتصرت المقاومة، وإن المنطقة لن يدخلها إلا الشرفاء، هي صارت عاصمة العرب". من الرويس نخرج إلى الطريق المؤدي إلى المطار، نقطعه وسط الركام إلى حيث يقف رجل شاتماً البلد"المليء بالحرامية والنصابين". الرجل غاضب، فهو زار منزله للمرة الأخيرة أول من أمس، ولم يكن مسه سوء. لكنه عاد أمس، ووجد الباب مفتوحاً، ومحتويات المنزل الثمينة قد سرقت. نقطع الجسر لنصل إلى قلب حارة حريك مجدداً، إلى حيث أنقاض تلفزيون"المنار". أمام المبنى المدمر يكثر المراسلون والصراخ. لا يخفي الحشد المتجمهر استياءه لوجود مراسلين لتلفزيون"المستقبل"وپ"المؤسسة اللبنانية للإرسال"، فيطالبون برحيلهم. ويشيدون بتلفزيون"الجديد":"لبيك يا نيو تي في"وپ"المنار"، من دون أن يخفي أحدهم"فطنته"، فيحاول إقناع الموجودين بأن"المنار تبث من تحت الأنقاض، لأن الحزب يعلم سلفاً أن المنار ستقصف، لذلك جهز غرفة عمليات تحت الأرض لا تخرقها الصواريخ". من وراء بوابة"المنار"، يبدو الانفعال جلياً على وجه الزميلة زينب ياغي من جريدة"السفير". تقول ياغي إن عناصر من"حزب الله"منعوها وزميلها المصور من الدخول إلى المنطقة، وان المشكل تطور إلى حد أن العناصر رفعوا الأسلحة في وجهها واقتادوا زميلها ليحققوا معه، بعدما أخذوا كاميرته. من حارة حريك باتجاه صفير، يبدو المشهد أقل دماراً. الأضرار يمكن إحصاؤها وغالبية المباني ما زالت صامدة. البناية الضخمة بمحاذاة الجسر سقطت، وحملت معها حائط البناية الملاصقة. من الشارع يمكن مشاهدة غرفة يبدو أنها لأولاد فيها مكتبة وطاولة وجهاز كومبيوتر، وفوقها تماماً غرفة نوم، وبرادٍ وجزء من الحمام. طريق العودة من الضاحية إلى بيروت يمر بالشياح. شارع الحجاج حيث سقط مبنيان وعشرات الشهداء، مقفل بالحديد. يجلس عناصر من"حركة أمل"على المدخل، ويسألون الداخل عن وجهته. وفي الواجهة ترتفع صورة عملاقة لرئيس المجلس النيابي نبيه بري وعليها:"يا ويلنا من بعدك يا دولة الرئيس". "ما زالت مايا رميتي يتيم تحت الأنقاض"، يقول علي حرقوص حركة"أمل"، مشيراً إلى أن"معدات رفع الأنقاض اتجهت إلى مجمع الإمام الحسن". ولم يبارح علي ورفاقه المنطقة على رغم العدوان، لأن وظيفتهم كانت أن"نقفل مداخل المنطقة منعاً للسرقات ونمنع الدخول والخروج، وليلاً نتجمع في الساحة خارجاً". أمام ركام المبنيين تسأل شابة عن حقيبة والدها التي فيها نقود وذهب. يقول بلال مسؤول خدمات الحي في"أمل" انه سلمها إلى الهيئة الصحية، وتقول الفتاة إنها عائدة للتو من هناك ويقولون انهم لم يستلموها.