العنوان مسروق أو "مؤمم" بلغة "العسكر، الذين اكتشفوا أهمية المصطلحات الماركسية للاستيلاء على ثروات بلدانهم، عن عنوان كتاب الدكتور الشاعر غازي القصيبي"عن قبيلتي أحدثكم"، وهو الكتاب الذي أزال كل لبس عن ما هو الشعر والفرق بينه وبين النثر الفني للأميين شعراً مثلي ومثل الصديق المشترك الشيخ محمد أبا الخيل. وما أكثر الأميين شعراً وما أقل من يدركون أنهم أميون في عالم الشعر، بمن فيهم من ينظم كلاماً خيل له أو لها أنه شعر. نعود إلى"علم الاقتصاد"أو التحليل الاقتصادي المرتكز على أسس ومنهجية علمية. أتى علم الاقتصاد، كغيره من العلوم الاجتماعية، إلى الوجود نتيجة تراكم جهود المفكرين منذ انبلاج فجر أولى الحضارات الإنسانية، غير أن مؤرخي هذا العلم يكادون يجمعون على أن مؤلف كتاب"ثروة الأمم"الفيلسوف آدم سميث هو مؤسسه الحقيقي، فلقد أمضى سميث أكثر من عشر سنوات من حياته في تأليف"ثروة الأمم"، وتجاوز عدد صفحاته الألف، وتم نشره عام 1776. وبدأ سميث دراسة أفكار من سبقه في تحليل الظواهر والعلاقات الاقتصادية بمن فيهم ابن خلدون، فوازن بينها، ورفض بعضاً منها وقبل بعضها الآخر، ثم أضاف نظريات وأفكاراً جديدة، وحاول التحقق من صحتها بالاستعانة بما كان متوافراً من إحصاءات ومعلومات اقتصادية، فحذف ما رجح خطأه، واستبقى ما رجح صحته. ومن نظرة سريعة وشاملة إلى"ثروة الأمم"يتضح لنا أن الذي دفع سميث إلى كتابته هو رغبته في معرفة الأسباب التي تفسر"التقدم الاقتصادي"، و"التحسن الاقتصادي"، و"الإنتاج الأفضل"، أو ما نسميه نحن اليوم بالتنمية الاقتصادية. ولقد رأى سميث أن ما يفسر"التقدم الاقتصادي"هو وفرة المصادر الطبيعية، والتشجيع على التخصص بين المنتجين من الناس. أما بالنسبة إلى العوامل التي تدفع الناس إلى المثابرة والعمل، ففي رأي الدكتور سميث أن أهمها هو رغبة كل إنسان في تحسين وضعه الشخصي، فالفلاح لا يجدّ ويجتهد رغبة في رفع مستوى معيشة المجتمع، وإنما يكد ويجتهد رغبة في رفع مستوى معيشته هو وعائلته، وكذلك الخباز، وصانع الأحذية، والنجار، والتاجر، وغيرهم من المنتجين كل على حدة، ولو سمح المجتمع لكل فرد من أفراده، بعمل ما يفيده هو شخصياً، لتحقق بذلك رقي الأمة كلها، أي أن الحوافز الشخصية الفردية هي"اليد غير المرئية"كما سماها الدكتور سميث، أو ما يمكن تسميته بلغة عصرية"الدوافع الذاتية"، التي تدفع المجتمع بأكمله إلى رفع مستوى معيشته. وفي الفترة التي عاش فيها آدم سميث، كانت الأمم تقيس ثراءها بقدر ما لديها من ذهب وفضة، وبالتدريج خلطت حكومات أوروبا بين أداة القياس، وبين المراد قياسه، فأصبح كنز المعادن النفيسة هدفاً بذاته، فسخط سميث على هذا الوضع، وأثبت بأسلوب قوي سلس أن تكديس الذهب والفضة لا يرفع من مستوى معيشة الأمم ولا يؤدي إلى ثرائها، بل العكس هو الصحيح، إذ أن زيادة كمية هذين المعدنين، تؤدي إلى زيادة كمية العملة التي يتداولها الناس، وزيادة كمية النقود ترفع الأسعار مما يخفض مستوى المعيشة، ولا يرفعها. أما مصدر ثراء الأمم الحقيقي، في زمن سميث، فهو مصادرها الطبيعية، وقدرتها على تحويل هذه المصادر إلى سلع وخدمات يستفاد منها. ولأن سميث لاحظ أمراً ما كان ليغيب عن بال مثله، وهو أن الأثمان ترتفع وتنخفض وفقاً لكمية ما يتداوله الناس من عملة الذهب والفضة في زمانه، فقد وجد نفسه مضطراً إلى بحث العوامل الحقيقية التي تقرر الأثمان النسبية، أي قيمة كل سلعة إذا ما قورنت بقيم غيرها من السلع. والنتيجة التي توصل إليها سميث هي:"نظرية قيمة العمل"، ومفادها أن ما يقرر أثمان الأشياء هو ما بذل من جهد بشري في إنتاجها، فإن كان المجتمع يحتاج الى مئة ساعة من وقت العاملين من الناس في إنتاج سلعة ما، ويحتاج لخمسين ساعة لينتج سلعة أخرى، فإن ثمن الأولى سيكون ضعف ثمن الثانية. و"نظرية قيمة العمل"أهم ما في تحليل سميث من أخطاء، ولعلها أجسمها، لأنها قادته إلى استنتاجات كثيرة ثبت في ما بعد بطلانها. وأهم من هذا كله، ما كان، ولا يزال، من تأثير لتلك النظرية على مسار تاريخ الإنسانية، إذ ان كارل ماركس أعتقد بصحتها وبنى عليها جل فكره الاقتصادي، ولو أننا جردنا ما كتبه ماركس في الاقتصاد من"نظرية قيمة العمل"لانهارت نظريته الاقتصادية بأكملها، تماماً كما لو سحبنا من تحت عمارة ضخمة الأعمدة التي قامت عليها. ولم يرفض الاقتصاديون"نظرية قيمة العمل"إلا في أواخر القرن التاسع عشر حينما أتى الاقتصاديون النمساويون بنظرية المنفعة، التي تنص على أن الذي يقرر ما ندفعه للأشياء من أثمان، هو مقدار استفادتنا منها، بصرف النظر عن مقدار العمل الذي بذل في إنتاجها. إلا أن نظرية المنفعة في حد ذاتها تفسر استعدادنا للدفع، ولا تفسر ما ندفعه فعلاً، لأن الأمر يتوقف على استعداد المشترين، وقبول البائعين في الوقت نفسه، ولم تحل قضية"القيمة"تماماً إلا في أوائل القرن العشرين، حينما أتى الدكتور الفريد مارشال - الذي كان أستاذاً للرياضيات قبل أن تحول إحدى زياراته لأحياء لندن الفقيرة اهتماماته إلى الاقتصاد - بفكرة العرض والطلب، وبهذا فقد حل مارشال لغزاً كان قد حير الاقتصاديين الأوائل، ألا وهو أن أثمان أشياء لا أهمية لها أبداً مثل الماس هي عالية جداً، بينما أثمان أشياء أخرى لا حياة من دونها، مثل الماء، متدنية إلى أقصى ما يمكن أن يصل إليه ثمن شيء مفيد من التدني. فقال الدكتور مارشال: إن الطلب على الماء ضخم ولكن المعروض منه أيضاً ضخم، والطلب على الماس قليل، ولكن المعروض منه أيضاً قليل"ولذلك فثمن الماء متدن، وثمن الماس باهظ. والله من وراء القصد * أكاديمي سعودي.