عاش سيبيوس في القرن السابع الميلادي في بلاد أرمينيا التي امتدت آنذاك من شمال الشام والعراق حتى بحر الخزر قزوين. وكان الأرمن يدينون بالمسيحية على المذهب المونوفيزي الطبيعة الواحدة المخالف لمذهب الطبيعتين الذي تعتنقه كنيسة القسطنطينية، وهو ما دفع الأباطرة البيزنطيين دائماً الى فرض سيطرتهم السياسية على بلاد أرمينيا ومحاولة فرض مذهبهم الديني على كنائسها، غير أن الشعب الأرمني رفض ذلك واستمر في مقاومته للاستقطاب المذهبي البيزنطي. تستمد كتابات المؤرخ الأرمني سيبيوس أهميتها التاريخية من كونه أرخ لأحداث عاصرها بنفسه تقريباً، تناولت فتح المسلمين لبلاد الشام وأرمينيا. كذلك تكتسب كتاباته صدقية جاءت من كون مصدره هو المصدر التاريخي الوحيد الذي كتب في القرن نفسه الذي ظهر فيه الإسلام، وامتدت فيه الفتوحات الإسلامية الى بلاد الشام وأرمينيا وبلاد فارس. إذ ان المصادر الإسلامية التي تناولت حركة الفتوحات قد جاءت متأخرة عن ذلك راجع البلاذري ق 9م، الطبري ق م10، بينما كتب المؤرخ البيزنطي ثيوفانس وجهة النظر البيزنطية في نهاية القرن الثامن وبواكير القرن التاسع الميلاديين. ويتضح مما سبق تمتع كتابات سيبيوس الأرمني بالسبق الزمني والمعاصرة، وهو ما لم يتحقق للمصادر الإسلامية والبيزنطية الأخرى. كان سيبيوس أسقفاً على أرمينيا، واشترك في المجمع المسكوني الذي عقد بها في منتصف القرن السابع الميلادي، وبدأ في تدوين أحداث كتابه منذ العام 675م اعتماداً على بعض المصادر الأرمنية المفقودة، وكذلك عبر المعلومات التي جمعها بنفسه من أفواه الأسرى الأرمن الذين قام المسلمون بإطلاق سراحهم في ما بعد. وهو ما مكنه من كتابة مصدره التاريخي الذي تكون من ثمانية وثلاثين فصلاً تناولت تاريخ أمته، وتاريخ علاقتها بدولة الروم، وكذلك تطرقه لأحداث الحرب بين الفرس والروم، التي انتهت بانتصار الامبراطور هرقل الحاسم 682م، واسترداده لصليب الصلبوت الذي سبق ان استولى عليه الفرس بعد سابق استيلائهم على القدس. وكان لانتصار هرقل أهمية كبرى في العالم المسيحي الى درجة اعتبرها بعض الباحثين البداية الحقيقية للحروب الصليبية. على أن غاية ما يهمنا هنا هو إبراز تأثر سيبيوس بهذا الأمر، للدرجة التي جعلته يطلق على مصدره التاريخي المهم اسم"تاريخ هرقل". على أي حال، بدأ سيبيوس منذ الفصل الثلاثين من كتابه وحتى نهايته في الحديث عن الإسلام منذ ظهور الدعوة المحمدية، وانتشارها في جزيرة العرب، ويبدو انه كان يعرف القليل عن القرآن الكريم. إذ أورد الآية 160 من سورة آل عمران"وإن ينصركم الله فلا غالب لكم". وجعل منها دستوراً للفاتحين المسلمين، وذكر أن هذا ما جعلهم يتفانون في ميدان القتال، ويجعلون شعارهم النصر أو الشهادة. وهكذا تتبع سيبيوس انتشار الإسلام، وامتداد الفتوحات الإسلامية الى بلاد الشام وبلاد فارس. إذ ذكر انتصار المسلمين على الروم في موقعة أجنادين 13ه/ 634م، وأشار الى هزيمة المسلمين لثيودور شقيق الامبراطور هرقل هل كان كذلك؟! الذي لاذ بالفرار باتجاه القدس. ثم رصد سيبيوس رسالة من الخليفة المسلم عمر بن الخطاب الى امبراطور الروم، تطلب منه رحيل قواته عن بلاد الشام العربية. مع التهديد باجتياح جيوش المسلمين لبلاد الروم. غير ان الامبراطور البيزنطي رفض ذلك وأجاب، بحسب رواية سيبيوس:".... هذه الأراضي ملك لنا، أما أراضي المسلمين فتقع في شبه جزيرة العرب... عودوا الى بلادكم". تابع سيبيوس ذكره لفتوح بلاد الشام التي سماها أسورستان وكذلك سامب فتحدث عن انتصار المسلمين في موقعة اليرموك 15ه/ 636م واندياحهم في الأراضي الشامية، وانسحاب قوات هرقل الى آسيا الصغرى، وهو ما شجع المسلمين بعد ذلك الى إرسال جيوشهم شرقاً حيث الجزيرة الفراتية وبلاد فارس، ولم يفته أيضاً رصد الاستعدادات الفارسية لملاقاة المسلمين وحشدهم جيشاً بلغ ثمانين ألف مقاتل تحت قيادة رستم، كما ذكر الانتصار الإسلامي الحاسم في القادسية 15ه/ 636م. وأشار أيضاً الى أن كل ذلك شجع المسلمين على تسيير الجيوش نحو فتح فلسطين وسيرهم لفتح مصر. بعد ذلك اتجه سيبيوس الى وصف الفتوحات الإسلامية في بلاده أرمينيا، فذكر أن الجيش الإسلامي تمكن من الوصول الى اقليم الطارون غرب بحيرة"وان"في تركيا الحالية، كما توغلت الجيوش الإسلامية بعد ذلك شمال البحيرة وامتدت فتوحاتها حتى إقليم أرارات. وبعدها تمكن المسلمون من الوصول الى دوين عاصمة الأرمن، التي قام سكانها بتحصينها، غير ان المسلمين الذين حاصروا المدينة لأيام عدة تمكنوا من اقتحامها في اليوم الخامس، وهكذا سقطت العاصمة الأرمينية في قبضة المسلمين 19ه/ 640م، وسقط آلاف من الأرمن أسرى الذين بلغ عددهم، بحسب رواية سيبيوس، خمساً وثلاثين ألف أسير. ويبدو أن مؤرخنا - كما سلف القول - قد اعتمد على بعض هؤلاء الأسرى الذين أطلق سراحهم في ما بعد، في سرده لأحداث تلك الفترة. كما تابع سيبيوس بعد ذلك ذكره لانتصارات المسلمين عبر اجتياحهم لمدن أردزاب وأوردورو ويرفان وبلاد الطاجيك وبلاد الكرج، ومدينة نخشوان. عاد سيبيوس في الفصل الثالث والثلاثين من مصنفه للتعرض للعلاقات الإسلامية مع دولة الروم، فذكر تجهيز معاوية بن أبي سفيان لأسطول بحري ضخم من أجل حصار العاصمة القسطنطينية، غير ان البيزنطيين نجحوا في رد الأسطول الإسلامي عبر استخدام النار الاغريقية، كما ذكر نجاح المسلمين في فرض معاهدة على الامبراطور البيزنطي يتعهد فيها بدفع الجزية، وكذلك الموافقة على ترسيم الحدود بين المسلمين والبيزنطيين. كما أشار في الفصل الخامس والثلاثين الى عزم الخليفة عثمان بن عفان على فتح بلاد الروم 33ه - 653م، غير ان سيبيوس انفرد - من دون بقية المصادر المعاصرة أرمينية - إسلامية - بيزنطية - سريانية - بإيراد معاهدة السلام بين الأرمن والمسلمين، والتي بمقتضاها سمح المسلمون بالحرية الدينية الكاملة للسكان الأرمن أتباع المذهب المونوفيزي، وهكذا نجا الأرمن من الضغط الدائم الذي مارسته كنيسة القسطنطينية الارثوذكسية عليهم طوال تاريخهم، كما ذكر سيبيوس ان والي الشام، معاوية بن أبي سفيان، تعهد أيضاً في هذه المعاهدة بعدم جمع الجزية من الأرمن لمدة ثلاث سنوات، يدفعون بعدها الجزية التي يقومون هم بتحديدها. كما اعترف لهم معاوية بحق الاحتفاظ بجيش مكون من خمسة عشر ألف فارس في بلادهم، شريطة أن ينضموا الى المسلمين في أي حرب دفاعية، عند تعرض المسلمين الى هجوم على أراضيهم من الامبراطور البيزنطي. كما تعهد لهم معاوية أيضاً بحماية المسلمين للأراضي الأرمينية في حال تعرضها للهجمات البيزنطية. وعلق سيبيوس على هذه المعاهدة بقوله:"... وهكذا أصبح عدو المسيح معاوية هو أعظم حلفاء الأرمن. ونجح في حمايتهم وفصلهم عن السيادة البيزنطية". ولا يخفى على المرء أن موافقة الأرمن على المعاهدة السابقة كانت لأنها تمنحهم الحرية الدينية والمطلقة في بلادهم، وكذلك بسبب شهرة المسلمين التي سبقتهم عبر التسامح الشديد مع أصحاب العقائد المخالفة أهل الذمة في بلاد الشام وفلسطين. والدليل على ذلك يؤكده سيبيوس الذي أشار أيضاً الى رفض السكان الأرمن نداءات الامبراطور البيزنطي كونستانس الثاني بالعودة الى التحالف معه، في مقابل دفع أموال باهظة لهم. وازاء هذا الرفض الأرمني، زحف كونستانس بجيشه ليحتل الكثير من المدن الأرمينية، وليوعز لكنيسة القسطنطينية بالتبشير بمذهب الطبيعتين للمسيح بين السكان الأرمن. غير ان المسلمين قدموا في العالم التالي 35ه/ 655م الى بلاد الأرمن، وقاموا بطرد الجيش البيزنطي، ومطاردته حتى شواطئ البحر الأسود. بل ومهاجمة مدينة طرابزون البيزنطية. ثم كافأ معاوية بن أبي سفيان الزعيم الأرمني ثيودور الذي عارض الاحتلال البيزنطي، وساعد الجيش الإسلامي- بتعيينه حاكماً عاماً على أرمينية وبلاد الكرج والقوقاز. وذكر سيبيوس في نهاية مصنفه أن السيادة الإسلامية قد صبغت الأراضي الأرمينية، وأن القائد المسلم حبيب بن مسلمة، كان بمثابة الزعيم والمرجعية الرئيسة التي يلجأ اليها كبار وجهاء الأرمن لدى نزاعهم على الأراضي والاقطاعات الزراعية. كما تطرق الى المحاولات البيزنطية المتكررة لاحتلال بلاد الأرمن، ونجاحهم في نهب العاصمة الأرمينية دوين، غير ان وصول الجيوش الإسلامية، ومطاردتهم للجيش البيزنطي قد أعاد الأمور الى نصابها، وبعدها تمكن معاوية بن أبي سفيان 41ه/ 661م من إعادة السيادة الإسلامية كاملة على أرمينيا. * أستاذ في جامعة الزقازيق - مصر