من بين المفاجآت العديدة التي تكشفت عن حالة حركة"فتح"الداخلية عقب فشلها في الانتخابات التشريعية مطلع العام، عدم وجود ناطق رسمي او مؤسسة اعلامية للحركة. واليوم، يحاول الاعلامي المخضرم احمد عبدالرحمن عقب تعيينه ناطقاً رسمياً باسم"فتح"بعد 12 عاما من عودة قيادتها ومؤسساتها الى الوطن، بناء مؤسسة اعلامية للحركة، لكن في نطاق ظروف وصعوبات مالية وسياسية وتنظيمية لم تشهدها الحركة التي قادت العمل السياسي الفلسطيني لعقود طويلة. ومحاولة عبدالرحمن هذه واحدة من محاولات داخلية عديدة لاعادة بناء الحركة، وهي على مقاعد المعارضة، بعد خروجها من السلطة. لكن البطء الذي تتسم به تلك المحاولات التي تجري في نطاق إرث كبير وطاغ من الصراعات والمشاكل الداخلية، يلقي ظلالا كثيفة من الشك على فرص نجاحها. فبعد مرور نحو ثمانية اشهر على الانتخابات التي وصفت ب"الزلزال"، لم تنجح الحركة في التقدم خطوة واحدة الى أمام على صعيد عقد مؤتمرها العام السادس الذي لم يلتئم منذ 17 عاما. كما لم تجر الحركة تقويما، حتى لو كان عابرا، لمسيرتها على نحو تستخلص فيه الدروس والعبر من اخطاء الماضي التي قادت الى هذا الفشل الذي يرى فيه بعض المراقبين بداية الانهيار في مسيرتها. واعلنت الحركة اخيرا نيتها عقد اجتماع لكامل اعضاء لجنتها المركزية في 22 الشهر الجاري في عمان. وحسب عضو اللجنة حكم بلعاوي، فانها ستناقش في اجتماعها هذا، وهو الاول منذ اندلاع الانتفاضة قبل ست سنوات، مواضيع عدة في مقدمها عقد المؤتمر السادس وإعادة احياء منظمة التحرير وتفعيلها. لكن كوادر وقيادات شابة في الحركة تستبعد حدوث تقدم في عقد المؤتمر بسبب عدم وجود خطوات عملية في هذا الاتجاه. وتضيف ان اعضاء اللجنة المركزية يتخذون من الاوضاع العامة السائدة في الاراضي الفلسطينية مبررا دائما لعدم التحرك نحو عقد المؤتمر العام لادراكهم انه لن تتوافر لهم مقاعد مضمونة على متن الهيئات القيادية المقبلة بسبب مسؤوليتهم عن الفشل المتلاحق الذي لحق بالحركة. وكان المجلس الثوري لحركة"فتح"قرر في دوراته الاخيرة، عقب رحيل الرئيس ياسر عرفات، عقد المؤتمر العام، وشكل لجانا تحضيرية لعقده، غير ان هذه القرارات لم تترجم الى خطوات عملية. ويشكل قلق اعضاء الهيئات القيادية الحالية اللجنة المركزية والمجلس الثوري على مقاعدهم، اضافة الى الظروف السائدة في الضفة والقطاع، العائق الاكبر امام عقد المؤتمر الذي ستجري فيه اعادة انتخاب اعضاء هذه الهيئات. وامام انسداد الافق التنظمي ل"فتح"، بدأ بعض كوادرها وقادتها يشكل مراكز عمل شبه مستقلة عن الحركة تفوق قوتها قوة اللجنة المركزية في كثير من المواقع مثل محمد دحلان ورشيد ابو شباك في غزة وجبريل رجوب في الضفة. وحتى الأسير مروان البرغوثي الذي تفوق قوته في الشارع قوة اللجنة المركزية مجتمعة، يتحرك في غالب الاحيان وكأن هذه اللجنة غير موجودة. ووفق النظام الداخلي للحركة، فان مؤتمرها العام الذي ينتخب الهيئات القيادية ويحدد المواقف والبرامج السياسية والتنظيمية للحركة، يعقد مرة كل خمس سنوات. وكان المؤتمر الخامس عقد في تونس عام 1989، وتقرر ان يعقد المؤتمر السادس عام 1994. واتخذ الرئيس الراحل ياسر عرفات من تأسيس السلطة في ذلك العام ومن اندلاع الانتفاضة عام 2000 مبررا لعدم عقد المؤتمر. وبعد رحيل عرفات، وما شكَّله من رحيل الصفة الأبوية في قيادة الحركة، فُتحت الطريق بقوة امام مطالبات الاجيال الجديدة في الحركة بعقد مؤتمرها العام. لكن الظروف الفلسطينية الاستثنائية من فصل بين الضفة والقطاع وعزل للمدن، اضافة الى تحكم القيادات التاريخية في الحركة بمفاتيح القرار، حال دون حدوث تحرك جدي في القاعدة الفتحاوية. وقال فهمي زعارير احد القيادات الشابة في"فتح"والناطق باسمها في الضفة، ان نقاشات تجري على نطاق واسع بين الكوادر والقيادات الشابة في الحركة للبحث عن بديل انتقالي موقت في حال تعذر عقد المؤتمر العام. واضاف:"يطالب الكثيرون اليوم بحل انتقالي موقت لحين عقد المؤتمر العام يقوم على تشكيل قيادة للعمل اليومي للحركة في الضفة واخرى في غزة". واضاف:"هذه وسيلة عملية تسهم في اشراك القيادات والكوادر الشابة في صنع القرار الحركي في ظل غياب الانتخابات الداخلية، وإلى ان يجري عقد المؤتمر العام". لكن ثمة من يرى في ذلك منح تفويض اضافي لقيادات الحركة تؤهلها لمواصلة"خطف الحركة"لفترة زمنية قادمة لا يعرف احد نهاية لها، وفق تعبير احد الكوادر الغاضبين على اوضاع هذه الحركة التي انتقلت من مركز صنع القرار السياسي الى موقع المعارضة في النظام السياسي الفلسطيني. والمؤكد في كل ما يجري ان غياب التغيير والاصلاح عن حركة"فتح"، خصوصا عدم عقد المؤتمر العام واجراء انتخابات حقيقية للهيئات القيادية للحركة، سيشكل عامل ضعف اضافي، ربما يدفع الحركة في المستقبل الى هوامش هذا النظام بعد ان ظلت على رأسه نحو اربعة عقود كاملة.