أكد الرئيس الفرنسي جاك شيراك أمس، أن لدى الولاياتالمتحدة تحفظات حيال التعديلات التي طلبت الحكومة اللبنانية إدخالها على نص مشروع القرار الذي يُناقش حالياً في مجلس الأمن، ودعمتها فرنسا. وقال خلال مؤتمر صحافي عقده في مدينة طولون، رداً على سؤال ل"الحياة"عمّا إذا كانت واشنطن عطلت فعلاً التعديلات المطلوبة من الحكومة اللبنانية، إن"الحكومة اللبنانية قدمت اقتراحات مهمة بينها انسحاب اسرائيل من أراضيها، وأيضاً في خصوص الأسرى اللبنانيين في اسرائيل ومزارع شبعا"، لافتاً الى أن الحكومة تلعب بذلك"دورها في الدفاع عن موقف لبنان الذي يريد استقلاله واستقراره". وأضاف أن هذه الاقتراحات حظيت بتوافق وبدعم الجامعة العربية، وفقاً لما صرح به أمينها العام والوفد العربي الذي زار نيويورك في أعقاب الاجتماع الوزاري العربي الذي عقد في بيروت. ورأى شيراك أنه من الطبيعي إذن"أن نأخذ في الاعتبار الحلول التي تطرحها أطراف الأزمة". وتابع أنه استناداً الى الاتفاق بين الولاياتالمتحدةوفرنسا على مشروع قرار مجلس الأمن،"طلبنا ان يتضمن هذا المشروع عدداً من المطالب المطروحة. ويبدو اليوم أن لدى الادارة الأميركية تحفظات على ذلك". وتابع:"لا أريد التصور أنه ليس هناك حل، لأن ذلك يعني انه الحل الأكثر افتقاراً إلى الأخلاقية"، أي"أن نتنازل عن وقف اطلاق النار الفوري. وأنا لا أتصور ذلك ممكناً لا من الأميركيين ولا من أحد". وأشار الى احتمال التوصل الى قرار مطابق للمبادئ التي حددتها فرنسا وهي مبادئ انسانية وسياسية وسلمية، واذا لم يتسن ذلك فسيكون هناك نقاش في مجلس الأمن،"وكل منا سيؤكد اقتراحه وقراره". وعمّا اذا كان لديه جدول زمني للاتفاق، أجاب شيراك:"لا أريد حتى تناول موضوع الجدول الزمني، لأن ذلك يعني أن في إمكانه تأخير وقف النار وتأجيله في بلد يشهد دماراً وحرباً وجرحى". وأكد الرئيس الفرنسي أن الأولوية ينبغي أن تكون لوقف النار، ومن مسؤولية الأممالمتحدة تأكيده، ثم أن يجري التوصل في أسرع وقت الى اتفاق سياسي بين الطرفين، كي يحصل كل منهما على الضمانات التي يريدها. وبعد ذلك، قال الرئيس الفرنسي إنه يمكن نشر قوة دولية بشكل أو بآخر، تساهم فيها فرنسا، على أن تكون لهذه القوة مهمة محددة وأن تحدد ظروف انتشارها بوضوح، وكذلك أن يكون توزع الدول المساهمة فيها متوازناً. وعن دور سورية وايران في المفاوضات الحالية، قال شيراك إن الكل يعرف طبيعة الروابط بين ايران و"حزب الله"، مضيفاً أن استشارة ايران وهي قوة مهمة في المنطقة أمر مشروع، لتحديد التأثير الذي يمكن أن تمارسه على صعيد عودة السلام الى الشرق الأوسط. أما بالنسبة إلى سورية، قال شيراك أيضاً إن الكل يعرف روابطها ب"حزب الله"، و"سأكون صريحاً، وأقول إن التجربة جعلتني لا أثق بها"، مشيراً الى الزيارة التي قام بها منذ بضعة أيام وزير خارجية اسبانيا ميغيل انخيل موراتينوس الى دمشق حيث التقى المسؤولين السوريين ثم صرح بانه حصل على تأكيد من دمشق بأنها ستعمل على التأثير في"حزب الله"من أجل اعادة السلام، ولكن هذا التصريح تبعه بعد حوالي نصف ساعة نفي من الرئيس السوري. وأضاف أن هذا غير مشجع على اقامة علاقات مع بلد ينبغي أن يتفاوض مع لبنان حول ترسيم الحدود، كون سورية عبرت مراراً عن موافقتها على لبنانية مزارع شبعا، ولكنها لم توافق أبداً على الإقرار بذلك خطياً، على رغم أن هذا مطلب طبيعي وقانوني من أجل أن يتمكن مجلس الأمن من إقرار التعديل في الحدود. وجدد شيراك تأكيده عدم ثقته في سورية، وقال إنه يرى أن في إمكانها تسهيل الأمور للجنة التحقيق الدولية التي يترأسها القاضي سيرج براميرتز، لاظهار الحقيقة في عملية اغتيال رئيس الحكومة اللبناني السابق رفيق الحريري. وأعرب الرئيس الفرنسي عن حزنه الكبير كون لبنان عرف الحرب وأُعيد بناؤه وساهم الحريري في تعبئة وطنية كبيرة، مؤكداً أن"حزني كبير لأن كل عمله دُمر، والذين اغتالوه ومن تواطأ معهم سددوا ضربة فظيعة للبنان". وعمّا إذا كانت فرنسا تدعم انتشار الجيش اللبناني مع وحدات من قوة حفظ السلام الدولية، قال شيراك إن الوضع الحالي يتطلب اتفاقاً سياسياً وأيضاً انسحاب إسرائيل تدريجاً من الأراضي اللبنانية التي تحتلها حالياً، على أن يتسلم الجيش اللبناني بالتوازي مسؤولية الأمن في هذه المناطق. ورأى أن هناك مشكلة توقيت ينبغي حلها، وهناك وحدات من قوات حفظ السلام، وعددها قليل حالياً، لكن من الممكن تعزيزها إذا كان هناك اتفاق سياسي. وفي خصوص قدرة الحكومة اللبنانية على تطبيق القرار 1559، أشار شيراك الى أن الجواب على هذا السؤال يعود الى اللبنانيين وأنه ليس هناك في التاريخ دولة لا تبسط نفوذها على كل أراضيها. واضاف أن وجود جزء من الأراضي اللبنانية تحت سلطة الميليشيات لا يتماشى مع لبنان مستقر وديموقراطي، ويعود للبنانيين أن يدركوا ذلك، وأن الذين يشجعون على أن تكون الأولوية للحروب والاغتيالات فإنهم يخطئون كلياً. واعتبر:"أياً كانت طائفتهم وسواء كانوا دروزاً أو مسلمين أو مسيحيين، فإذا أرادوا العيش في لبنان ديموقراطي ومسالم، فيجب أن يُعبروا عن ذلك سياسياً وعبر انتخابات ديموقراطية"، مشيراً الى ضرورة تشجيع كل القوى التي تعمل من أجل وحدة لبنان واستقراره. وجاء المؤتمر الصحافي الذي عقده شيراك في أعقاب اجتماع عقده للنظر في الوضع اللبناني مع رئيس الحكومة دومينيك دوفيلبان ووزيري الخارجية فيليب دوست بلازي والدفاع ميشال اليو - ماري في مدينة تولوز جنوبفرنسا القريبة من قصر"فور بريغانسون"الرئاسي حيث يمضي اجازته. رد سوري وفي دمشق الحياة، ابدى مصدر اعلامي مسؤول استغرابه تصريحات شيراك عن الثقة بسورية، وقال ان"الثقة تبنى عادة على اساس تجارب الماضي والتاريخ الذي يثبت ان دور سورية المحوري في تحقيق الاستقرار في لبنان من خلال وقف الحرب الاهلية واعادة السلم الاهلي الى ربوعه فيما كان الاخرون في موقف المتفرج". ونفى المصدر ما قاله شيراك عن تكذيب سورية تصريحات لوزير الخارجية الاسباني ميغيل انخيل موراتينوس، لافتا الى ان سورية"صوبت التحريف الذي قامت به وكالة الصحافة الفرنسية لتصريحاته". ودعا المصدر الذي نقلت وكالة الانباء السورية تصريحه شيراك الى"استخدام نفوذه باتجاه اسرائيل والزامها تنفيذ قرارات مجلس الامن ومتطلبات السلام والامن والاستقرار في المنطقة وليس اشاعة مناخات التوتر والاستقطاب فيها"، وقال ان المطلوب من فرنسا والمجتمع الدولي باسره"ممارسة الضغط على المعتدي اسرائيل التي تدمر لبنان وترتكب المجازر الوحشية بحق ابنائه وتحتل الاراضي العربية وترفض الانصياع لقرارات مجلس الامن". وختم المصدر السوري قائلا"بدلا من تقديم النصائح فانه من الاجدى العمل الفوري على وقف العدوان الاسرائيلي على لبنان وفلسطين والانخراط في جهود بناءة تخرج المنطقة من المخاطر المحدقة بها عبر مواقف عادلة ومتوازنة ومسؤولة تساهم في توفير متطلبات الامن والاستقرار الدائم للشرق الاوسط".