على شاطئ نورماندي الفرنسي، كانت توجد قرية صغيرة عاندت جيوش الرومان، حتى بقيادة القيصر نفسه. ولم تُهزم قط، على رغم محاولة الرومان اختراقها بشتى الوسائل: التفرقة، النميمة، التهديد، الترغيب، الإغراء... والكلام هنا عن قرية"أستيريكس"وپ"أوبيليكس"، بطلي سلسلة الكتب المصوّرة التي تحمل اسميهما، من ابتكار الفرنسيين رينيه غوسيني وألبرتو أوديرزو. ولا يحتمل سكان تلك القرية، الهانئة عموماً، المزاح أو الغمز واللمز إلى خصائص بعضهم ومميزاته الواضحة كالرائحة النتنة التي تنبعث من المسمكة. ومعروف أن البائع يستورد السمك"الفاخر"من العاصمة باريس، فهو لا يصطاد مع أنه يعيش على شاطئ البحر. وأي تعليق بهذا الخصوص، يضرم نار الفتنة ليبدأ الاشتباك بالأيدي وكل الوسائل المتوافرة آنذاك، أي نحو عام 52 قبل الميلاد. ولا ينتهي مشهد الاضطراب الشامل إلا بعد أن تنادي النساء أزواجهن المتعاركين. فينفض القتال ويذهب كل إلى ولية أمره، وكأن شيئاً لم يكن. وفي مواجهة الأعداء، يستخدم السكان سلاحاً بسيطاً، هو قبضة اليد، وأدوات تافهة إجمالاً، مستمدّين قوّتهم الأساسية من مشروب سحري يعدّه لهم حكيم القرية وساحرها. ... أما علاقة هذا السرد بسياق التلفزيون والمحطات الفضائية العربية، فتعود الى المغني الشاب في تلك القرية صاحب الصوت البشع والذي استُخدم مرة، لدب الرعب في نفوس أعداء شديدي البأس. جاؤوا إليهم ليكتشفوا الخوف، فكان لهم ما أرادوا بفضل صوت المغني الواعد. وعندما غنّى أمامهم، كانت المرة الأولى التي يدعه فيها سكان القرية يغني. فهم كانوا يكمّون فمه ويربطون يديه ويعلّقونه على شجرة، في المناسبات العامة أو الاحتفالات، لئلاّ يغنّي. وكانوا ما إن يبدي نية للغناء في مناسبة خاصة، أو يصدر نحنحة لاضطراب في حلقه، حتى يضربوه على رأسه، فيغيب هو عن الوعي، ما يكفيهم شرّ صوته... لم يكن أي من سكان القرية المصوّرة يطيق المغني. وفي هذه الأيام، لا نعرف ماذا يخبّئ لنا المغنون اللبنانيون والعرب. ولكن، نمي إلى"أنظارنا"ومسامعنا، عبر شاشة"العربية"، أنهم يحضّرون أغنية للبنان، في مناسبة الحرب الإسرائيلية عليه. والأغنية، كما فهمنا، على شاكلة كليب"الحلم العربي"الذي شاع ذات يوم، وتوهّج في الشاشات، ثم ما لبثت أن انطفأت الأغنية وتبدّد الحلم. لقد عرضت"العربية"تقريراً عمّا يحضّره مغنون عرب ولبنانيون. وظهر فيه مغنون، يتلوّعون ويتموّجون، ووجوههم تنقبض وجباههم تنكمش وحواجبهم تتلاطم. بدوا ينشدون بحسرة، نحن كلنا بغنى عنها، في الأيام العصيبة والمريرة. ولئلاّ يصيبنا ما أصابنا، أيام"الحلم العربي"، لنجهض محاولة الفيديو كليب هذه، قبل أن تبصر النور وتظهر على الشاشات... وتتكرّر وتتكرر وتتكرر، فيتبدد موضوع الأغنية، أي بيروت أو لبنان.