ربما كان التاريخ أهم من الجغرافيا في تشكيل بنية السياحة في سورية، ما يجعل مفهوم السياحة العائلية مقتصراً على زيارة ما بناه الأجداد من أماكن، فتبدو للوهلة الأولى أنها من صميم الجغرافيا، إلا أنها في الواقع تملك أهمية تاريخية. وعلى رغم اعلان القائمين على تنشيط السياحة في سورية، أن البلد يتمتع بجغرافية سياحية خصبة، إلا أن النسبة الكبيرة من السياح تتجاهل هذا الإعلان لتكون محطاتها الرئيسة تلك الأماكن التي تجعل من البعد الروحي مساحة مفضلة لديها. لذا، فإن قراءة متأنية للأماكن التي يمكن أن تشكل المحطة الأهم في برامج السياحة العائلية وخططها، هي تلك التي اشتهرت بها حاضرة المدن الرئيسة مثل دمشق. وفي المحصلة يقود الإسمان الى معنى واحد وهو الأرض العامرة، لتعمر هذه الأرض بالسياحة العائلية من بداية الشهر السابع وحتى نهاية الشهر التاسع. فأين تكون الإقامة....؟! خيارات المبيت كثيرة، إذ تتميز دمشق بوجود فنادق من مستوى الأربع والخمس نجوم:"الشيراتون"وپ"الميريديان"وپ"الشام"وپ"روتانا سويتس"وفنادق رخيصة تقدم خدمات معقولة كسلسلة"أبراج آلاء"وپ"فينيسيا"وپ"القيروان"وپ"الإيوان"وپ"كندا"وپ"آسيا"بمعدل 40 دولاراً في اليوم الواحد، ويتوسط معظمها المدينة/ ما يسهل التجوال السياحي للعائلات فيها. ويبرز ضمن هذه الخيارات خيار آخر نشط في الآونة الأخيرة هو"الشقق المفروشة"التي تُحجز من طريق مكاتب سياحية تقدم خدمات كاملة للعائلات، وأكثرها في المزرعة وقدسيا وركن الدين والحمرا. وتشير الإحصاءات الى أن 1.8 مليون سائح يقيمون في شقق مفروشة. لا بد لمَن يأتي إلى دمشق كم أن يزور سوق الحميدية، وتحت سقفه ستعيش حالة سياحية تتوافر فيها كل مقومات العرض السياحي: محال متنوعة للألبسة الشرقية والحلويات الدمشقية. وهنا لا بد من التوقف أمام بوظة بكداش باعتبارها محطة استراحة لمعظم السياح قبل الوصول الى أبواب الجامع الأموي القديمة، الذي بني سنة 582 هجرية. وللتسوق في هذه الأسواق القديمة متعة خاصة، إذ تقدَّم فيها المشروبات التقليدية كالسوس والقهوة المرّة والتمر الهندي. لكن ذلك لا يعني أن دمشق لا تحتضن أسواقاً حديثة فيها كل ما تبتغيه من بضائع ذات جودة عالية لا تخلو من الماركات العالمية مثل: سوق الحمراء والصالحية والقصاع. طبعاً ستنال الحمامات القديمة قسطاً من برنامجك السياحي مثل: الحمام النوري والبكري والملك الظاهر. فدمشق اشتهرت بحماماتها منذ القرن الثاني عشر لتبقى اللمسة الدمشقية وصوت العود والبحرة ورائحة الياسمين ملامح أساسية لا تغيب عن الحمامات المتبقية. وهناك لن تكلف نفسك عناء البحث، فالانغماس في تاريخ هذه الحمامات وفنها المعماري الساحر سيخبرك بأن ما قاله الوليد بن عبدالملك"يا أهل دمشق إنكم تفخرون على الناس بأربع: هوائكم ومائكم وفاكهتكم وحماماتكم"، هو عين الصواب. وبعد أن تمتع ناظريك بوجبة دسمة من الحضارة، فإن جبل قاسيون بإطلالته المميزة يحثك على اكتشافه والتمتع بهوائه النقي. فهناك ستجد صورة مختلفة لدمشق وأنت تجلس على كرسيك في مطعم"أحلى طلة"أو"توتي فروتي"، لتعتبر زيارة تلك المقاهي متعة عائلية حقيقية لا تخلو من الخدمات المميزة والتي تتوافر في الكثير من مطاعم ربوة دمشق ك"توشكا"وپ"شلالات السلام"وپ"إشبيليا"وپ"العجلوني". ويمكنك في هذه المطاعم المفتوحة تناول عشاء أو غداء بسعر خاص، عدا عن تقديمها وجبات شرقية وغربية. وأينما كنت في دمشق، تشكل المطاعم المترامية على أطراف طريق المطار مع مدينة الألعاب"الأرض السعيدة"مكاناً مناسباً لقضاء وقت مميز بلقمة شهية في:"القرية"،"القلعة"،"السيران"، إذ يتوافر فيها جو عائلي هادئ يدفعك الى البقاء ساعات طويلة. المونولوجيست حبيب يعرف تماماً أن بورصة السياحة العائلية ترتفع عاماً بعد عام، ويعرف أيضاً أن معظم عائلات دول الخليج والسودان تمضي إجازتها في دمشق، أما الزوار من لبنان والأردن فهم زوار الليلة الواحدة بقصد التسوق أو ما شابه، وفي الحالتين لن تجد كرسياً شاغراً في معظم مطاعم دمشق حتى تلك التي تتوسط المدينة:"المطعم الصحي"وپ"العسلي"وپ"الكمال"، وخصوصاً أن الأخير يقدم مأكولات شعبية كالمندي والكبسة السعودية، ما يعطي السياح إجازة من المأكولات التقليدية المعتادة. في دمشق لن تشعر بالغربة، فالحضارة ترافقك كظلك. إذ تحتضن هذه المدينة الكثير من الجوامع والكنائس التي يعود تاريخها الى آلاف السنين كالجامع الأموي وهو من أقدم مساجد الدولة الأموية وكنيسة حنانيا في باب توما. فيكون للسياحة الدينية الحصة الأكبر من السياحة العائلية كزيارة مقابر الأولياء الصالحين أو والحسينيات ومقام السيدة رقية. ويبقى قبر السيدة زينب من العتبات المقدسة التي لا تهدأ فيها حركة الزوار على مدار السنة، ولو كانت تنشط في بعض الأشهر أكثر من غيرها. وبُنيت اخيراً حوزة علمية بالقرب منها لتعليم الفقه الجعفري، وتتوافر في هذه المنطقة فنادق"الروضة"وپ"السفير"، إضافة الى خيار الشقق المفروشة. في النهاية ليس غريباً أن يخبرنا خالد خلف مالك مكتب سياحي مهتم بالسياحة العائلية أن العائلات العربية تعرف عن الشام أكثر من أهلها، فخصوصيتها تجعلها تناسب مختلف الجنسيات والموازنات والأذواق.