مثلت الطاقة الكهربائية التي تولدها المحطات النووية نسبة 16 في المئة من إجمالي الطاقة الكهربائية المنتجة في العالم عام 2004، أو نحو 6.2 في المئة من إجمالي الطاقة الأولية. وبلغ عدد المفاعلات النووية العاملة 440 مفاعلاً بقدرة 366.3 ألف ميغاوات في 31 دولة. كما أن هناك 26 مفاعلاً آخر قيد الإنشاء بقدرة 20.8 ألف ميغاوات في تسعة دول. وكانت صناعة الطاقة النووية تراجعت بعد حادثة"ثري مايلز أيلند"في الولاياتالمتحدة عام 1979، وحادثة"تشرنوبيل"في أوكرانيا عام 1986، وعدد من الحوادث الأخرى الأقل شهرة والتي تسببت بأضرار كبيرة. هذا علاوة على عوامل أخرى ساهمت في هذا التراجع منها: ارتفاع التكاليف الإنشائية وتعقيدات عمليات الترخيص والتنظيم لتلك المحطات خاصوصاً في الولاياتالمتحدة، وعدم توافر حلول جذرية لمسألة التخلص الدائم من مخلفات الوقود المشعة والتي تحتفظ بسمومها لمئات السنين. كل تلك العوامل قد ساهمت في دعم المعارضة لاستخدام الطاقة النووية، خصوصاً من قبل جماعات حماية البيئة وبعض التيارات السياسية. إلا أن هذا التراجع بقى نسبياً، واقتصر على بعض الدول من دون أخرى. إذ بقيت الطاقة النووية تشكل نسبة عالية من الطاقة الكهربائية المنتجة في عدد من دول العالم. حيث، وعلى سبيل المثال، وصلت هذه النسبة إلى 78.1 في المئة في فرنسا و 55.1 في المئة في بلجيكا و 51.8 في المئة في السويد و 20 في المئة في الولاياتالمتحدة الأميركية. فترة انتعاش وتشهد الطاقة النووية حالياً بدايات فترة انتعاش، إذ يلاحظ أن دولاً كثيرة تنشئ محطات نووية جديدة، أو تعيد النظر في سياساتها السابقة تجاه هذه التقنية نحو اعتمادها مصدراً أساسياً من مصادر الطاقة المستقبلية. ويعود هذا الانتعاش إلى عوامل عدة من أبرزها: - ازدياد القلق من ظاهرة الاحتباس الحراري ارتفاع حرارة جو الأرض التي تساهم فيها انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون الناتج من استعمال الطاقة الأحفورية الفحم والنفط والغاز الطبيعي والمخلفات العضوية والنباتية، بينما الطاقة النووية لا تسهم في هذه الظاهرة. - تنامي الاعتقاد بقرب وصول إنتاج النفط والغاز الطبيعي إلى الذروة خلال العقود القليلة المقبلة، يدعمه تباطؤ النمو في الاحتياط والارتفاع في الأسعار. حيث يتوقع أن تشكل الطاقة النووية أحد المصادر الرئيسة للطاقة لعصر ما بعد النفط والغاز التقليديين. - التطور العلمي والتقني الذي تحقق خلال العقدين الماضيين والذي أدى إلى تعزيز عوامل السلامة والأمن، من بينها تخصيص مكامن جيولوجية دائمة للتخلص من مخلفات الوقود النووي المشعة، واعتماد تصميمات محسنة وقياسية للمفاعلات الجديدة تتسم بدرجة عالية من الأمان، كما أنها أقل تكلفة وأعلى كفاءة من المفاعلات السابقة. قد يكون العامل الأهم الأكثر إسهاماً في إعادة الاعتبار إلى الطاقة النووية، التطور العلمي والتقني الذي شهدته العقود الثلاثة الماضية والذي تركز على زيادة أمن المفاعلات، والحد من إمكان الانتشار النووي، وتخفيض تكاليف الإنشاء والتشغيل الذي عزز من ميزاتها التنافسية. وتمثل التصميمات المطورة للمفاعلات الحالية الجيل الثالث من المفاعلات النووية الانشطارية التي ولدت في منتصف عقد الأربعينات من القرن الماضي. حيث كان الجيل الأول، والذي استمر حتى منتصف الستينات، عبارة عن مفاعلات صغيرة تجريبية. كما أن المفاعلات العاملة حالياً تنتمي بمعظمها إلى الجيل الثالث الذي انتهت حقبته في منتصف التسعينات. أما المفاعلات المطورة بفضل التقدم العلمي والتقني المشار إليه والتي تبنى حالياً، فإنها تنتمي إلى الجيل الثالث الذي يتوقع أن يمتد زمانه إلى نهاية العقد الثالث من القرن الحالي. ونظراً الى أن المفاعلات الحالية والمطورة لا توفر حلاً جذرياً ومستداماً لمسألة التخلص الآمن من مخلفات الوقود النووي المشعة، حيث أن جميعها تعتمد على دورة الوقود المفتوحة والتي تتطلب طمر المخلفات في مكونات جيولوجية أو تخزينها موقتاً حتى يتم تطوير حل نهائي لها. هذا مع العلم أن خطر التلوث منها أو وقوعها بأيدي جهات إرهابية قد يدوم لمئات السنين. لذا تشترك مجموعة من الدول، تحت مظلة وكالة الطاقة الذرية، بتطوير جيل رابع من المفاعلات يتميز بدورة وقود مقفلة تتيح إعادة استعمال مخلفات الوقود مرات عدة حتى تتقلص المخلفات السامة إلى حد يمكن معه إزالة ما تبقى من السموم والتخلص الدائم منها. ويشار الى أن هذه التقنية تتسم بمناعة ضد الانتشار النووي وتضاعف عمر احتياط وقود اليورانيوم ما يتيح لهذه المفاعلات أن تلعب دوراً أساسياً في أسواق الطاقة المستقبلية لفترة زمنية طويلة تمتد إلى القرن المقبل. اللافت في ضوء التطورات المشار إليها أعلاه، أن يكون العالم العربي خارج هذه الحركة العالمية في استخدام وتطوير الطاقة النووية التي قد تكون من مصادر الطاقة الأولية الأقل عرضة للشك في ما يتعلق بدورها المركزي في مشهد الطاقة المتوسط والطويل الأمد. حيث أن هذا المصدر قد يكون أول الرابحين من استنزاف موارد النفط التقليدي والغاز الطبيعي. فليس في العالم العربي حتى الآن محطة نووية واحدة تحت التشغيل أو الإنشاء أو التصميم. كما أن الدول العربية غائبة حالياً عن الجهود العالمية التعاونية في تطوير الجيل الرابع من المفاعلات المشار إليها أعلاه، وإضافة إلى خلو الجامعات ومراكز البحث العلمي والتطوير العربية من مفاعلات نووية لأغراض التعليم والأبحاث. الدول العربية في هذا الإطار، يجدر عدم الاطمئنان إلى المستقبل الذي قد يتولد من وفرة موارد الطاقة التقليدية وغير التقليدية في دول عربية كثيرة، حيث أن موارد الطاقة الخام لن تشكل بديلا كاملا عن مصادر الطاقة المتقدمة التي تتسم بكثافة التقنية وتعقيداتها. كما تتسم بارتفاع تكاليفها، ما سيمثل عبئاً اقتصادياً في حال الاعتماد على استيرادها في شكل كامل معلبة من الخارج، ناهيك عن الاعتبارات الأمنية والاستراتيجية المترتبة عن ذلك، ما لم تصبح الدول العربية شريكاً فعالاً في الجهود التطويرية العالمية للطاقة البديلة، وحلقة أساسية في سلسلة القيمة المضافة لصناعتها وإنتاجها. كما أن الحاجة إلى اكتساب التقنية النووية لا تقتصر على دورها كمصدر من مصادر الطاقة فحسب، بل لأسباب أخرى على قدر مواز من الأهمية. فالتقنية النووية تلعب دوراً أساسياً في معظم النشاطات الاقتصادية، وتمثل أكثر التقنيات تأثيراً على حاضر ومستقبل التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فاستخداماتها تشمل مجالات حيوية عدة مثل: الإدارة المستدامة للأراضي، والاستعمال الرشيد لموارد المياه، وتطوير المحاصيل الزراعية وحمايتها، وضمان الأمن الغذائي، وحماية البيئة، وتطوير علوم فيزياء الجزيئيات، ومراقبة العمليات الصناعية، وصناعة الأجهزة والأدوات الفائقة الدقة، وغيرها. بالتالي، لا يملك العالم العربي بديلاً من توطين التقنية النووية وتسخيرها كمصدر رئيسي من مصادر الطاقة المستقبلية، ومدخل حيوي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. وبغض النظر عن الموعد الزمني لدخول الطاقة النووية مرحلة الإنتاج، وقد يبعد هذا الموعد عشرات السنين أو يقرب، إلا أن عملية الاستعداد والتجهيز لها لا يمكن تأجيلها، ويعتبر موعدها داهماً في ضوء ما تتطلبه عملية بناء القاعدة التقنية والتجهيزات الفنية والمؤسسية من وقت وموارد مادية ضخمة وجهود كبيرة لاستكمالها. خبير لبناني في شؤون التنمية