للوهلة الأولى شعرت أن للشاعر رثاء، وبعد برهة تيقنت ان الرثاء لا يجدي بل ان ضريحاً آخر توزعت عليه أحجار القلب غادر اليه الشاعر تاركاً للريح أن تلهو لعلها بين العبث واللهو قد تحمل اليه طيب الفرات، ذلك الطيب الذي ينفثه النسيم كلما تراقصت سوامق الفراتين! لم يتح له أن يعترف بالهزيمة أيها الشعراء لأنه كان فوق النصر والهزيمة، لكن خانته أقلامكم فحطموها عند قبره الذي جاور البياتي والجواهري. الجميع كان يعلم ان الطريق الى دمشق هي رحلة أخيرة، لكنهم تجمعوا هناك متحررين من النرجسية وديكتاتورية المثقف العربي، ولكن هل ننسى قوافينا المنقادة وقصائدنا الحرة تسرح في كل بلاط عربي. كان الصائغ وفياً لعقيدته وليس هذا عيباً. ليتذكر كل شعراء الأمة وفطاحلها ان كراسي سلاطينهم لن تدوم أيضاً! وكم من القصائد كذبت أصحابها وكم كذب الشعراء علينا، لكن الصائغ لم يكذب علينا لأن هموم العراق لم تتغير ولأن جراح الثورات لم تكن أوهاماً أو خدوشاً بل استقرت ندباً، وطعم النصر لم يكن يشعل حريقاً في القلب بل كان عرساً ينثر لأجله أبناء الأمة ماء الورد، فمخالب الفرس كانت وما زالت مسنونة ومسمومة! خانتكم أقلامكم اذاً أيها الأدباء والشعراء بعد أن أصبحتم بلا ذاكرة! وماذا بقي للعراق أيها السادة اذاً؟ هل نستبشر بالقادمين حاملين معهم طقوس النار؟ لقد استبدل الشعراء بالنائحات هنا. يتغرب الشعراء حتى في قبورهم لأن الفكر المعمم الجديد لا يعرف غير النواح وقراءة البخت وربما شعراء العراق يجلبون سوء الطالع أو يصيبون أسيادهم الصفويين بالغثيان! لكنني أتوسل لكل شاعر يحتضر أن يبقي للعراق نعشه ويبقي للأجيال قبره على الأقل كي يمكننا الرثاء! سميرة الشبلي - بريد الكتروني