إنه الكابوس اليومي في حياة الملايين من الفتيات والشابات في القاهرة، لكنه كابوس طبقي بحت، إضافة الى كونه يرتكز على اساس التمييز بين الجنسين. إنه"بعبع"ركوب المواصلات العامة، لا سيما في ساعات الذروة، وهي الساعات التي تواصلت وتشابكت حتى باتت القاهرة تعيش زمن"مرور الذروة"وليس ساعات الذروة.- الملايين من طالبات المرحلتين الاعدادية والثانوية إضافة الى جيوش طالبات الجامعات اللاتي يقطعن القاهرة الكبرى وضواحيها طولاً وعرضاً طوال ايام السنة الدراسية لديهن قصص وحكايات يشيب لها الوالدان عن كل ألوان واشكال التحرشات الجنسية واللفظية في المواصلات العامة من باصات، ومترو انفاق، وميكروباصات، وسيارات اجرة. منال حسين 15 عاماً طالبة في المرحلة الاعدادية، وتضطر الى استخدام مترو الانفاق طيلة ايام الدراسة لست محطات، تقول بعد تنهيدة عميقة:"مترو الانفاق بالنسبة اليّ ولزميلاتي هو طوق النجاة من البهدلة وقلة القيمة التي نعانيها في الاتوبيسات والميكروباصات، والسبب في ذلك ليس في أنه أقل ازدحاماً، بل العكس هو الصحيح فعربات مترو الانفاق وقت خروج المدارس تكون عبارة عن أكوام من اللحم". وما يحدث هو أن منال وغيرها الآلاف من طالبات المدارس يلجأن الى"عربة السيدات"في مترو الانفاق، وهي المنقذ الوحيد لهن. أما ما يحدث في الباصات والميكروباصات، فتتحدث عنه من ما زالت تعيشه بصفة يومية. حُسنَى 20 عاماً طالبة في معهد عال في حي الدقي في الجيزة بينما تسكن في المرج في أقصى شرق القاهرة، تقول:"لقد رأيت كل أنواع التحرشات، اللفظية والجسدية بكل درجاتها". وتحكي حُسنى كيف أنها كانت في البداية تخجل من مجرد التململ لإظهار عدم موافقتها على ما تتعرض له من مضايقات، لكن السنوات اكسبتها خبرة وحنكة في التعامل مع مثل هذه المواقف. تقول:"أحرص على عدم ركوب الميكروباص إلا اذا كنت في صحبة صديقتين على الأقل. فالصحبة تجعل من ينوي على التحرش بفتاة يفكر مرتين قبل الإقبال على فعلته. كما أننا نحاول قدر الإمكان أن نتخير سائقاً نتوسم فيه خيراً، على رغم أن الغالبية العظمى من سائقي الميكروباصات يثيرون بتصرفاتهم وطرقهم في التعامل الكثير من المخاوف حتى لدى الركاب من الرجال، فما بالك بالنساء؟". النساء والفتيات اللاتي يتعرضن يومياً لمثل هذه التحرشات والانتهاكات لا يجمع بينهن سوى طبقتهن الاجتماعية أو بالاحرى مكانتهن الاقتصادية التي لا تسمح لهن باستخدام مواصلات غير عامة تحفظ لهن كرامتهن وحقهن البديهي في ألا يتعرض لهن أحد بالقول أو اللمس. تقول ماجدة محيي - وهي أم لطالبتين جامعيتين:"إن ما يحدث في وسائل المواصلات اليوم على مرأى ومسمع من كل الركاب كارثة بكل المقاييس. في ما مضى اذا تعرضت سيدة أو فتاة لمضايقة من هذا النوع في الشارع أو في وسائل المواصلات سارع الجميع الى تطويق المعتدي وضربه علقة ساخنة على أساس أن الفتاة المعتدى عليها يمكن أن تكون ابنته أو شقيقته، أما حالياً فالغالبية تقول اللهم نفسي". وتشير محيي الى أنها أجبرت ابنتيها على ارتداء الحجاب في محاولة لتقليص ما يتعرضان له من انتهاكات. إلا أن واقع الحال يشير الى غير ذلك، فالغالبية العظمى من المتحرش بهن"محجبات"ذاك أن الغالبية العظمى من الفتيات والنساء المصريات بتن"محجبات"، وبذلك سقطت التهمة التي كان البعض يروج لها في سنوات مضت من أن الفتيات هن المتسببات والمسؤولات في المقام الأول والأخير عن تعرضهن للتحرش بسبب أسلوبهن في ارتداء الملابس الذي يشجع الذكور. وعموماً سواء كانت الفتاة محجبة أو غير محجبة، فإن قرارها أن تستقل سيارة أجرة تاكسي - في حال توافر المال اللازم لذلك - لا يعني أنها باتت في مأمن لسببين رئيسيين: الأول هو أن كثيرين من سائقي سيارات الأجرة لا يختلفون عن سائقي سيارات الميكروباص، فلا توجد جهة بعينها مسؤولة عن معاقبة سائق الأجرة اذا اخطأ باستثناء تحرير محضر له في قسم الشرطة اذا تجرأت الفتاة على ذلك وهي غالباً لا تتجرأ والثاني هو أن ركوب سيارة أجرة لا يضمن ألا يشارك آخرون في ركوبها. يضاف الى ذلك ان كثيرات من الفتيات المصريات - بحكم النشأة والثقافة - يعتبرن المجاهرة بتعرضهن لمثل هذه المضايقات"فضيحة"و"قلة قيمة"بكل المقاييس. وليس أدل على ذلك من ردود فعل المحيطين في الحالات النادرة التي تعترض فيها الفتاة المتحرش بها في باص أو مترو أو غيرهما من وسائل المواصلات، إذ يبادر البعض الى مطالبتها بالصمت لأن ما تقوله لا يليق ب"البنت المحترمة"أو ان تبادر بالنزول من المركبة حفاظاً على كرامتها ومنعاً للفضائح.