ما أن بدأ شعبنا الفلسطيني في عدم صرف رواتب فئة الموظفين للشهر الرابع على التوالي، حتى صار الواحد من هذه الفئة يبحث عن وظيفة شرط أن يكون فيها راتب يسد رمق أطفاله. وبعد أن شاهدت بأم عيني نائب مدير مدرسة وسط قطاع غزة يسحب ثلاث عنزات ويرعاها عصر يوم، حتى أتتني الجرأة في الإعلان عن عمل ليس ضرورياً أن يناسب شخصيتي الاجتماعية، أكثر منه مصدر رزق لأطفالي ولأسرتي. هكذا صار شعبنا بعدما أيقن مئات الآلاف منهم أن الراتب الذي كان مصدر وشريان استمرار حياته وأسرته، قُطع دابره بقصد أو عن غير قصد، فما عاد يهمنا أن يعمل الواحد منا راعي أبقار أو أن يحرث أرضاً ليست ملكه، المهم ألا نموت جوعاً. وبما أني لا أملك ثلاث عنزات أرعاها لأحلبها شراباً لأولادي، فإني أرغب إن يقرضني أحد مئة دولار لأشتري"ترمس"وأبيعه على قارعة الطريق، ويقيني بأني سأجازف في هذا المبلغ الخيالي، خصوصاً إنني لن أجد فلسطينياً يشتري ترمساً في هذا الزمان. فعلى أصحاب الضمائر الحية إن وجدت في غزة أن تستقرضنا مبلغاً خيالياً بقيمة مئة دولار لأبدأ فيه مشروعاً قد يفيد ستة فلسطينيين بمن فيهم كاتب هذه السطور، كي لا أضطر لبيع احد أولادي كما حصلت في أسرة من الفصيلة نفسها والجنس والدم، مع فارق أن الأخير هو أسير في سجون الاحتلال وله العذر في بيع احد أولاده، لكننا نحن خارج هذا السجن مقيدون بسلاسل من كذب ودجل سياسي فلسطيني، حيث المصلحة الخاصة تغلب الحزب فيه، ومصلحة الحزب تغلب المصلحة العامة. هذا المدرس لم يكن ليرعى غنمه لولا الخناق السياسي والمالي والاقتصادي الذي فرض على شعبنا، من دون أن تشعر حكومتنا بمدى جدية هذا الكبت الذي وصلنا إليه، الى درجة أن الواحد منا أصبح لا يقوى على الصمود أمام الأزمات المتلاحقة التي انعكست سلباً على الشارع الفلسطيني والذي انتشرت فيه السرقات في شكل مبرمج حتى طار عصر يوم عداد الماء من منزلي لمجرد انني كنت مجنوناً يومها وأخذت أطفالي لمنتزه قريب من منزلي لمدة نصف ساعة فقط لا غير. يوسف صادق - بريد الكتروني