ثمة مفهوم لدى"حماس"يطفو على سطح النقاش الداخلي الفلسطيني مفاده أن إسرائيل ماضية في تنفيذ خطتها الأحادية القائمة على اعتبار"عدم وجود شريك فلسطيني"، وبمعنى أن موقف الحكومة الإسرائيلية الراهنة بزعامة ايهود أولمرت، يستند الى خطة ارييل شارون، والتي بدأت منذ سنوات سابقة لوصول"حماس"الى السلطة حين أوقفت المفاوضات مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وواصلت ذات الموقف مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وهي حقائق لا تحتاج الى جدل، بل حدث بلا حرج. ولكن الاستنتاج الحمساوي يرهن استخلاصه في هذا الجانب بالاستناد الى موقف الحكومة الإسرائيلية وخطتها الأحادية. وعليه، فالخلاصة تكمن في أنه لا جدوى من برنامج نضالي وسياسي يجمع بين التمسك بالثوابت الوطنية وحمايتها، وبين الواقعية التي تأخذ في الاعتبار الوضع الدولي والاقليمي الراهن. وهكذا، فمن الأفضل ل"حماس"التمسك بثوابتها ومبادئها. يبرز هنا"اعتماد متبادل"بين أحاديتين، على طرفي نقيض، الأولى تقودها حكومة أولمرت والثانية"حماس"التي تقود الحكومة الفلسطينية، وقد غدت معادلاً موضوعياً. طرفا نقيض يحتفظان بعدد من المشتركات في أجندات أحادية تحكم مواقفهما وترتبط داخلياً. فهما متوازيان، في ما هو أشبه ب"الاعتماد المتبادل على الأفكار والمفاهيم النقيضة، وحيث يؤثر الموقف الإسرائيلي القائل ب"عدم وجود شريك فلسطيني"على براغماتية"حماس"، والتي كان من الممكن أن تذهب إليها، والفارق هو أن إسرائيل نجحت في أن تروّج أن السلطة الفلسطينية باتت معادلاً موضوعياً لكيان إرهابي"، وعززت ذلك مع صعود"حماس"الى السلطة، وخداعها الغرب بأن مهمتها الراهنة هي القضاء على"حماس"، في الوقت الذي تسعى به نحو هدف حقيقي معلن، وهو القضاء على التسوية، عبر فرض تصورها"الأمر الواقع"، أي الحل الأحادي الصهيوني وتجنب أي حلول وفق قرارات الشرعية الدولية. في"الاعتماد المتبادل"راهناً، تبرز أيضاً أولوية"حماس"الرئيسية، وهي بقاء حكومتها من خلال قيامها بانجاز المهمات المطلوبة منها، وما يستلزم ذلك من وقت ومساحة زمانية ومكانية لبناء بنية لهذا الهدف واستعادة النظام والحدّ من الفساد ومحاولة تلبية الحاجات الاقتصادية للناس، ومنها محاولاتها الحثيثة لايجاد آلية لدفع الرواتب للموظفين في الإدارات المدنية، بعد أن تراجع عن الدفع العديد من الدول الممولة. وأمام هدف انجاح حكومتها، فإنها تتفادى العودة الآن الى ساحة العمليات العسكرية. وفي التجاذب لهذه الأولوية الرئيسية ل"حماس"تغدو أجندتها المباشرة وكأنها ذات طبيعة محلية بما هو ناجم عن ادراكها التام بأنها لن تستطيع تحقيق هذه الأجندة إلا بموافقة إسرائيلية مباشرة، أو ضمنية. واستناداً الى هذا الادراك، فإن قيامها بالعمليات العسكرية رداً على المجازر اليومية الإسرائيلية، سيعيق محاولات بسطها للهدوء الأمني، وسيقدم مبررات لاسرائيل - والتي ليست بحاجة الى تبرير - نحو المزيد من العنف والاجرام الدموي، بما فيه فرض القيود على حركة الفلسطينيين من المعابر، ومزيداً من تقطيع الأوصال، وحركة البضائع، وعوائد الجمارك وغيرها مما يعيق الهدوء المطلوب لتحسين الأداء الاقتصادي الفلسطيني عبر دور الحكومة. في المساحة الزمانية والمكانية ايضاً، فإن الأولوية الاسرائيلية هي المضي قدما، وفق كاديما، في خطة الفصل الاحادية، واستكمال الجدار العنصري، وتعزيز السيطرة على القدس والكتل الاستيطانية والاغوار. وأمام هذا فإن رئيس الحكومة الاسرائيلية ايهود اولمرت يحتاج ايضاً الى الوقت والمساحة الزمنية - المكانية لتنفيذ سياساته بما في ذلك سياساته الداخلية المعقدة على صعيد الخريطة الداخلية الإسرائيلية المتمثلة في الصراع الحزبي الداخلي، وهنا يبرز ايضاً"الاعتماد المتبادل"بين طرفين متوازيين، كل منهما يريد تحقيق أهدافه المباشرة، والفارق ان أجندة"كديما"قد تغذت من أحادية"حماس"، حين وفرت له ما سبق وان فبركه قبل وصولها الى السلطة، تحت دعوى ان"خطة الفصل الاحادي هي الحل العملي الوحيد راهناً"ليحصل على الدعم المالي من واشنطن لتنفيذها، وبذات الوقت يرسم الخطوط الحدودية كما يشاء للكيان الصهيوني، وعلى أساس ألا تكون هناك امكان لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، وتشمل رقعتها قرارات الشرعية الدولية وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني. في تأكيد تغذية أجندة"كديما"من أجندة"حماس"برز موقف الامانة العامة للأمم المتحدة في القرار غير المسبوق، والذي اتخذه كوفي انان بتخفيض مستوى التعاون بين المنظمة الدولية والسلطة الفلسطينية، وأضاف مدماكاً جديداً من التعقيد، فوق جدار الحصار السياسي والاقتصادي والديبلوماسي للشعب الفلسطيني، وان جاء بدعوى عزل حكومة"حماس"، حين توجه الى وكالات الاغاثة التابعة للأمم المتحدة، مستجيباً للحملة الدولية التي قادتها اسرائيل والولايات المتحدة بمعاقبة شعب بأكمله على نتائج الانتخابات، والتي تمت مراقبتها من قبل المؤسسات الدولية. بيد ان الأمين العام للأمم المتحدة، هو رمز للقانون الدولي، والقائم أولاً على أولوية تنفيذ قرارات الشرعية الدولية، فضلاً عن ان النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي ليس نزاعاً في منظمة التجارة العالمية، يستوجب عقوبات انتقامية. ورغم ان حرمان السلطة الفلسطينية من المخصصات العائدة لها، ستكون نتائجه معاكسة لما هو متوقع، حين يشهد العالم كارثة انسانية بما يتبعها من فوضى سياسية. كما ان تحسين الظروف المعيشية للشعب الفلسطيني المحاصر تبدأ بتحريره من الاحتلال والحصار ونصرة حقه في تقرير مصيره، فما يحتاجه الفلسطينيون ليس أكياس الدقيق والأرز على أهميتها تحت الحصار، ولكن لا يمكن اختزاله بذلك، وربط حياتهم به فقط، بما يشكل من إهانة للانسانية، ولشعب يدفع دماء غزيرة يومياً لتحقيق كرامته الانسانية، الممتهنة تحت الاحتلال وعلى المعابر وتقطيع الأوصال، والمعابر الحدودية التي تفصلهم عن محيطهم، فضلاً عن انتهاك حرمة منازلهم، والقصف الصهيوني اليومي المتواصل والرتيب على قطاع غزة، والمجازر بحق الأطفال والمدنيين. في براغماتية"حماس"هل يمكن لها أن توافق على تسوية مع اسرائيل؟ تتقدم هنا المؤشرات العامة لسلوكها السياسي الذي يشي بذلك في حال معينة، فبرنامج حكومتها المعلن يكشف عن قبولها بالتسوية من حيث المبدأ، وقد عبرت عن ذلك بفكرة"الهدنة الطويلة"مع اسرائيل، واذا ما تحققت تسوية مرحلية تلبي المطالب الفلسطينية. ناهيك عن ادراك"حماس"، انها خاضت انتخابات، سبق أن نصت عليها اتفاقات أوسلو، وأن مجرد الدخول بها، هو جزء من عملية سياسية قوامها فكرة الدولتين لشعبين. لكن الاشتراطات الثلاثة التي سيقت من واشنطن، ووفق التجربة الفلسطينية الطويلة السابقة، لن توصل الى تحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة، عبر:"الاعتراف باسرائيل، ونبذ العنف، والقبول بالاتفاقات السابقة الموقعة مع الحكومة الاسرائيلية"، فمسار أوسلو تم وأده في عام 1996 على يد حكومة نتانياهو الليكودية، وخريطة الطريق وأدها شارون أمام أعين الادارة الأميركية الراهنة، وان لم تحصل على شهادة وفاة علنية أمام الملأ. في الأجندتين وتداخلهما، فإن الخلل في أجندة"حماس"، هو التعويل على انسحابات اسرائيلية من أجزاء محددة من الضفة الغربية، ثم امكانية ان تواصل هدنة غير رسمية كهدف ممكن التحقيق على حد توقعاتها، يقابله مزيج من"التحسين"الاقتصادي واستعادة القانون والنظام الفلسطيني، وباعتباره حداً مباشراً في أجندتها، وهكذا تتداخل الاجندتان المباشرتان على رغم الثوابت والمبادئ وخطط كليهما الطويلة الأمد. أمام هذا كله، فإن الخروج فلسطينياً من هذا المأزق، هو ما يدفع الى الاتفاق على خطة انقاذ وطنية، بتوفير صيغة للشراكة السياسية الشاملة في اطار منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية في آن معاً، تقوم على برنامج مشترك، وخطة عمل سياسية ملموسة، تضمن تناسق الأداء النضالي والسياسي، وتأخذ بعبر واستخلاصات التجربة السابقة، تجمع بين التمسك بالثوابت الوطنية وحمايتها، وبين الواقعية التي تأخذ في الاعتبار حالة الوضع الدولي والاقليمي الراهن، وفي مواجهة أحادية"كديما"وأجندته. * كاتب فلسطيني.