تشكل الصناديق العربية مجموعة من الصناديق الانمائية الاقليمية والوطنية والدولية، تبلغ رؤوس أموالها المدفوعة واحتياطاتها المتراكمة نحو 41 بليون دولار، وتزيد قدرتها الاقراضية مرتين هذا الرقم، ويمتد نشاطها إلى نحو 127 دولة، بما فيها الدول العربية، تقدم لها قروضاً لتمويل مشاريعها الإنمائية بشروط ميسرة. وتشتمل هذه الصناديق على الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي 1971، وصندوق النقد العربي 1976، والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية 1961، وصندوق أبو ظبي للتنيمة 1971، والصندوق السعودي للتنمية 1974، إضافة إلى المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في إفريقيا 1973، وكذلك البنك الإسلامي للتنمية 1975 الذي يستمد نحو 70 في المئة من موارده المالية من الدول العربية، وصندوق الأوبك للتنمية الدولية 1976 الذي يستمد نحو الثلثين من موارده المالية من سبع دول عربية نفطية. قروض من دون شروط وتتميز القروض التي تقدمها هذه الصناديق بسمات استثنائية، كونها غير مقيدة، ولا تفرض اي شروط سياسية أو تجارية بأي شكل كان، وهي أكثر يسراً من مصادر التمويل الدولية. ويتمثل هذا اليسر في انخفاض سعر الفائدة 0.5 في المئة - 5 في المئة واجل فترة السماح الطويلة 5 الى 10سنوات والتسديد 15 الى 40 سنة، ما ينعكس إيجاباً على نسبة عنصر"المنحة"الذي يتراوح في المتوسط بالنسبة إلى معظم هذه الصناديق بين 40 و 70 في المئة. وبلغ المجموع التراكمي للعمليات التمويلية للصناديق موضوع البحث في نهاية العام 2004 ، نحو 72.4 بليون دولار، توزعت على 127 دولة عربية ونامية. وبلغ نصيب الدول العربية منها 61.4 في المئة، ساهم البنك الإسلامي للتنمية فيها بنحو 28.3 في المئة، والصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي 22 في المئة، والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية 18 في المئة، والصندوق السعودي للتنمية 10.6 في المئة، وصندوق الأوبك للتنمية الدولية 7.4 في المئة، وصندوق النقد العربي 5.9 في المئة، وصندوق أبو ظبي للتنمية 4.6 في المئة، والمصرف العربي للتنمية الاقتصادية في افريقيا 3.2 في المئة. وانسجاماً مع الأولويات الإنمائية للدول المستفيدة، حازت قطاعات البنى الأساسية والخدمات على نحو 72.4 في المئة والقطاعات الإنتاجية على نحو 27.2 في المئة، من اجمالي التزامات العمليات التمويلية لكل الصناديق. ولا يعزى الدور الإنمائي للصناديق العربية فقط الى عملياتها الاقراضية الميسرة، بل أيضاً الى ما تقدمه من معونات مالية تأخذ شكل منح مالية في الغالب وهي لا تسترد، وكذلك منح فنية لتحسين فاعلية العون الانمائي في الدول المستفيدة من خلال تقديم الدعم المؤسساتي للأجهزة الحكومية، والمساهمة في تدريب الكوادر البشرية وتطويرها. الدور الانمائي ولأن من الصعوبة بمكان التعريف بكل جوانب الدور الإنمائي للصناديق العربية بهذه العجالة، نكتفي فقط بإيجاز بعض الدلالات المهمة المبينة لآثاره الأساسية، وفي مقدمها الانجازات الملحوظة في قطاعات البنى الاساسية، التي تعاني قصوراً على مستوى الدول النامية والعربية، وتعتبر شرطاً أساساً لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في هذه الدول، نظراً الى اهمية مرونة عرضها في توفير بيئة استثمارية جاذبة وبناء قاعدة اساسية لاقامة المشاريع الانتاجية والخدمات الضرورية للمواطنين، وتلبية الاحتياجات الانمائية. وشملت إنجازات الصناديق العربية في هذا المجال نقل الكهرباء وتوزيعها، وشق الطرق وتعبيدها، بما فيها الطرق الريفية المهمة للتنمية الزراعية وتطوير الانتاج الزراعي، وتطوير الموانيء البحرية والسكك الحديد والمطارات وشبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية، ونقل مياه الشرب وجرها وتوزيعها، وتجميع مياه الصرف الصحي ومعالجتها واستعمالها ومحطات المعالجة، التي تساهم في حماية البيئة. ومن الأمثلة التي يشار اليها في هذا السياق الانجاز الملحوظ للصندوق السعودي للتنمية في دول الساحل الافريقي 10 دول، إذ تمكن حتى العام 2004 ، وفي إطار تنفيذ مشروع حفر الآبار والتنمية الريفية فيها، من إنجاز 5344 نقطة ماء حديثة، إضافة إلى عدد من التجهيزات المائية الأخرى. وبلغ عدد المستفيدين منها نحو 2.5 مليون نسمة من سكان الأرياف. كما يشار الى ما حققه الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي من انجازات مهمة في مجال ربط شبكات النقل العربية، وشبكة الاتصالات العربية، والربط الكهربائي بين الدول العربية. اذ بلغت الكلفة الإجمالية لمشاريع الربط الكهربائي التي أنجزت في السنوات العشر الأخيرة نحو بليون دولار، بلغت حصة الصندوق العربي منها نحو 705 مليون دولار. وساهمت هذه المشاريع في تحسين أداء منظومة الكهرباء في الدول المرتبطة، وتحقيق وفورات في قدرات التوليد المطلوبة، وكذلك في النفقات الاستثمارية تقدر بنحو 2.4 بليون دولار. تعزيز الانتاج من جانب آخر، ساهمت الصناديق العربية في تعزيز القطاعات الانتاجية في الدول المستفيدة، وخصوصاً في تطوير القطاع الزراعي، من خلال تمويل مشاريع استهدفت استصلاح الأراضي الزراعية، وإقامة شبكات الري وصرف المياه، ومنح القروض الزراعية، وادخال التقنية الحديثة في الانتاج الزراعي، ومقاومة التصحر. وتشير دراسات الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي على سبيل المثال لا الحصر الى ان اربعة ملايين عائلة استفادت في شكل مباشر من مساهماته في تمويل المشاريع الزراعية، أو ما يعادل نحو 35 مليون نسمة من مواطني الدول العربية. ومن النماذج الزراعية المهمة في هذا الشأن، مشروع التنمية الريفية المندمجة في تونس الذي ساهم في تمويله الصندوق الكويتي للتنمية، والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، وصندوق أبو ظبي للتنمية، والبنك الإسلامي للتنمية، والبنك الإفريقي، الذي شمل 215 مشروعاً، تتكامل في كل منها عناصر التنمية الأساسية. ومن أهم انجازاته حفر 4500 بئر سطحية وتجهيزها، و 124 بئراً عميقة، ووضع نحو خمسة آلاف هكتار تحت الري المستديم، وشق نحو 1700 كيلومتر من الطرق الريفية، وإيصال الكهرباء الى نحو 16 ألف عائلة ريفية ومياه الشرب الى نحو 15 ألف أسرة، وتوفير مساكن لنحو 6800 اسرة، ومنح القروض ل 500 صياد، و 1700 حرفي لاقتناء التجهيزات اللازمة لمزاولة نشاطاتهم. وتتسع تفاعلات دوائر الآثار الانمائية للصناديق العربية، وتمتد إلى تعزيز التنمية الاجتماعية من خلال تمويل مشاريع خاصة بدعم التعليم والتدريب المهني ومحو الأمية وتطوير الخدمات الصحية، ومكافحة البطالة والفقر. ومن النماذج المهمة في هذا الشأن الصندوق الاجتماعي في مصر، الذي يعتبر أحدى دعائم شبكة الحماية الاجتماعية، أنشئ في العام 1991 لتخفيف الآثار السلبية لبرامج الإصلاح الاقتصادي والتصحيح الهيكلي، وحماية الفئات المتضررة، وزيادة فرص العمل لهم. وساهم في تمويله الصندوق الكويتي للتنمية، وصندوق أبو ظبي للتنمية، والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، ونحو 13 دولة ومنظمة انمائية وإقليمية. وحقق هذا الصندوق انجازات مهمة، يقدر عدد المستفيدين منها في شكل مباشر وغير مباشر ب35 مليون مواطن. ولا نغفل في هذا السياق الدور المميز للصناديق العربية في الدول الفقيرة، والدول الأقل نمواً، نتيجة ما تقدمه لها من قروض أكثر يسراً، وأطول فترات سماح وفترات ايفاء ممكنة، ولمساهمتها أيضاً في تنفيذ مبادرة التخفيف من ديون الدول الفقيرة ذات المديونية العالية التي اطلقها البنك وصندوق النقد الدوليين في العام 1996، لإزالة أعباء الديون العالقة، خصوصاً البلدان التي تسعى إلى تحقيق الاصلاح الاقتصادي والاجتماعي للحد من الفقر. وعلى سبيل المثال لا الحصر، وقع صندوق الأوبك للتنمية عقوداً مع بعض هذه الدول بقيمة 206.9 مليون دولار، كما ان للصندوق مساهمات مهمة في مجال دعم موازين المدفوعات في الدول الأقل فقراً، وقدم حتى الآن 158 قرضاً في هذا المجال، بلغت قيمتها 724 مليون دولار استفادت منها 63 دولة في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية ودول البحر الكاريبي. وخلاصة القول، أن ما يدعو الى التفاؤل أن الصناديق الانمائية العربية تملك رصيداً ضخماً من الخبرة والتجارب والموارد الكافية لزيادة تدفق عونها الانمائي مستقبلاً، لا لجهة حجمه، وإنما لجهة سرعة ايصاله وتنوع آثاره في القطاعات الاساسية القادرة، على دعم التنمية المستدامة في الدول المستفيدة، العربية وغيرها من الدول النامية. خبير اقتصادي