عرضت قناة"العربية"أخيراً، فيلماً وثائقياً من أجزاء بعنوان"أفلام الرؤساء"، حول الأفلام التي كان يشاهدها رؤساء الولاياتالمتحدة في البيت الأبيض أثناء فترات حكمهم. الفيلم بُني على السجلات التفصيلية التي أعدها على مدى عقود عارض الأفلام بول فيشر، ودوّن فيها تواريخ العرض وعناوين الأفلام وأسماء الحضور من الرؤساء وعائلاتهم وأصدقائهم وضيوفهم. التحق فيشر بالعمل في البيت الأبيض في آذار مارس 1953 عندما كان في الخامسة والعشرين من العمر، وحكايته تذكرنا - مع الفارق بالطبع - بالفيلم الروائي"الحلقة الداخلية"للمخرج الروسي كونتشالوفسكي عن عارض سينمائي يعرض الأفلام للرفيق ستالين والحلقة المحيطة به، وتنتهي حياته العائلية بطريقة مأسوية نتيجة هذا القرب من هذه الحلقة. لكن فيشر ظلّ يعمل في البيت الأبيض أكثر من 30 عاماً، وعاصر 7 رؤساء مختلفين من الحزبين الجمهوري والديموقراطي. دخل في عهد أيزنهاور وخرج في رئاسة رونالد ريغان، وساهم أحياناً في انتقاء الأفلام او اقتراح بعضها للرؤساء بحكم خبرته في هذا المجال. وما لا يعرفه الجميع، ان من حق أي رئيس أميركي مشاهدة أي فيلم جديد قبل عرضه السينمائي بمدة أسبوع على الأقل، مهما كان الفيلم. جنرال سليط اللسان الرئيس نيكسون عرف عنه شغفه بالأفلام الاستعراضية الموسيقية. لكن أكثر فيلم أحبه كان"باتون"عن الجنرال الأميركي العنيد، القوي الشخصية، السليط اللسان، الذي خدم خلال الحرب العالمية الثانية في شمال أفريقيا. استلهم نيكسون روح العناد والقتال والاندفاع عند الجنرال باتون... فشنّ الحرب على كمبوديا عام 1970، بينما كانت التظاهرات والنشاطات المعادية للحرب في فيتنام تجتاح أميركا من الساحل الى الساحل. كان السيد الرئيس - أي رئيس - يستخدم الأفلام كمكافأة للناس الذين يدعوهم الى العرض، او لتمتين الأواصر مع مسؤولين أجانب أحياناً. الرئيس جيمي كارتر شاهد الكثير من الأفلام مع الرئيس الراحل أنور السادات ورئيس الوزراء الاسرائيلي مناحيم بيغن أثناء مفاوضات كامب دايفيد الطويلة في المنتجع الشهير، قبل عقد اتفاقية السلام بين مصر واسرائيل. لكن مثل هذه المناسبات لم تخل من مفارقات مضحكة أحياناً. تقول ابنة الرئيس ريغان:"الأفلام كانت قرص التنويم المفضّل عند والدي". ويروي ابن الرئيس جيرالد فورد عن أبيه، أثناء مشاهدته فيلم"النمر الوردي"انه استغرق في النوم أثناء افتتاحية الفيلم"الكرتونية"ذات الموسيقى المميزة... ولم يستيقظ الا بعد نهاية الفيلم، مع المشاهد الكرتونية ذاتها... معتقداً ان"النمر الوردي"فيلم كرتوني، وليس فيلماً من بطولة بيتر سيلرز! الرئيس أيزنهاور في الخمسينات من القرن الماضي شاهد أفلاماً مع الزعيم السوفياتي الراحل خروتشوف، الذي طلب 4 آلات عرض سينمائية أميركية، أخذها معه الى موسكو... ويبدو ان آلات العرض الروسية لم تتطور كثيراً منذ الفترة الستالينية... وهذا ما شاهدناه في فيلم"الحلقة الداخلية"، عندما يقدم العارض الروسي الى ستالين آلة عرض سينمائية من صنع ألماني، تتفوق على الآلات الروسية. الرئيس الراحل جون كينيدي، وفي ذروة أزمة الصواريخ الكوبية شاهد فيلماً رومانسياً هو"الاجازة الرومانية"، من بطولة أودري هيبورن... وربما ساهم الفيلم - من حيث لا ندري - في حل تلك الأزمة بطريقة سلمية وحضارية. بينما خلفه، الرئيس ليندون جونسون، كان يهوى مشاهدة الأفلام الوثائقية، وخصوصاً عندما يكون هو بطلها. إذ بعد مقتل الرئيس"المحبوب"كينيدي والنكبة التي حلّت بأميركا، لجأت آلة الدعاية الحكومية الى صنع فيلم وثائقي طوله عشر دقائق، عن الرئيس الجديد في البيت الأبيض ليندون جونسون، بتعليق صوتي من النجم الراحل غريغوري بيك. ويروي فيشر أن الرئيس جونسون شاهد"فيلمه"16 مرة في مكتبه في البيت الأبيض، ويضيف ان الرئيس كارتر انشغل بالحملة الانتخابية الى حد بعيد، ولم يشاهد أفلاماً لما يقارب أربع سنوات. وبعد فوزه في الانتخابات الرئاسية، طلب من أحد أصدقائه المقرّبين ان يختار له أفضل 100 فيلم كي يشاهدها أثناء فترة الرئاسة... أول هذه الأفلام كان"كل رجال الرئيس"عام 1976 عن فضيحة ووترغيت. ويروى أن جيمي كارتر كان أول رئيس أميركي يسمح بعرض فيلم مصنّف"للكبار فقط"في البيت الأبيض"ونقصد فيلم"كاوبوي منتصف الليل"، رافضاً اقتطاع مشاهده الجريئة. وشكل موقفه هذا مفاجئة للمحيطين به، لما عرف عنه من التزام ديني وأخلاقي. الرئيس"المحارب"جورج بوش الإبن شاهد فيلم"13 يوماً"فور وصوله الى البيت الأبيض، عن أزمة الصواريخ الكوبية الشهيرة، وقام بدعوة بعض أفراد من عائلة كينيدي لمتابعة الفيلم معه... بعد ذلك شاهد بوش أفلاماً حربية شهيرة مثل"سقوط الصقر الأسود"وپ"عندما كنا جنوداً"وپ"إنقاذ المجند رايان"وغيرها، اضافة الى أعمالٍ كوميدية مثل سلسلة أفلام"أوستن باورز"الشهيرة، وأعجب بشخصية الشرير:"الدكتور إيفل"! ويقول فيشر، ان الأفلام المرتبطة بلعبة البيسبول كانت مرغوبة على الدوام من جانب جميع الرؤساء. فيلم مثل"حقل الأحلام"يربط البيسبول بالأحلام، أصبح المفضل عند الرئيس جورج بوش الأب، وأصبح بطله كيفن كوستنر أقرب أصدقاء الرئيس ومساعديه في هوليوود. كما ان الرئيسين كلينتون وبوش الابن أحبا هذا العمل أيضاً... ربما لأنه يحمل أفكاراً وقضايا عجائبية او فانتازية، مرتبطة بأكثر الرياضات شعبية في أميركا. مهما يكن من أمر يظلّ الفيلم الوثائقي الممتع عن تفضيلات الرؤساء السينمائية على السطح، ربما لأن الوثائق التي يستند اليها تبقى على السطح، من دون ان يحقق رغباتنا"المكبوتة"في الوصول الى"أسرار"عن العلاقة"الخفية"بين البيت الأبيض وصناعة السينما في هوليوود... في المقابل، ماذا نعرف عن الرؤساء والمسؤولين العرب وعلاقتهم بالسينما والأفلام؟