اصطفافنا وراء مصطلح الديموقراطية حولها الى أيقونة أو صنم يعبد وهو ما كنت أخشاه، كان من الأفضل لو يتم علاج مشاكل مجتمعاتنا على أشكالها في ندواتنا ومحاضراتنا بعيداً عن مصطلح الديموقراطية وليس عن الفكرة، فاختزال الفكر في المصطلح يحول دون عملية التجاوز الضرورية للتطور وينشئ ما يسمى"رهاب المصطلح". على كل حال فإن ايجاد حلول لمشاكل المجتمعات بأشكالها وتنوعها من بطالة أو عمالة أجنبية الى دور المرأة وخلق الوظائف وغير ذلك من مشاكل يمكن طرحها ومعالجتها ليس بالضرورة باختزالها بمصطلح الديموقراطية. فاختزال مرض المجتمع العربي بغياب الديموقراطية فقط اختزال مخل ولا يساعد على الرؤية الحقيقية لتضاريس الواقع العربي. فكثرة تداول تعبير الديموقراطية وقيام الاجتماعات والندوات والمنتديات التي تحمل اسم"الديموقراطية"كما هي مقترنة في وعينا العربي جعلنا نبحث عن الدواء في صيدلية أخرى غير صيدلية الواقع المعاش لأن الديموقراطية بالصورة التي نتداولها هي إفراز لمجتمعات وواقع مختلف فنحن نقفز الى العنوان دون قراءة ما يحتويه الكتاب ثم ان المتكلمين في معظم هذه الندوات والمحاضرات اما أنهم من الغرب فينطلقون من تجربة مجتمعاتهم واما أنهم عرب فهم نتاج مجتمعات غير ديموقراطية أصلاً خاصة من يصور منهم أن هناك حالة من الخصام بين الديموقراطية والواقع العربي. إن نقطة الانطلاق يجب أن تكون من الواقع حيث لكل مجتمع مكوناته الخاصة، وتفاعل هذه المكونات بصورة معينة وعبر حركة التاريخ يمكن أن ينتج عنه تصور لإمكانية تعايش أفراد هذا المجتمع انطلاقاً من رضاهم، وهنا يكمن مفهوم التداول المجتمعي الفعال. ثم ان العملية الديموقراطية نفسها ناشرة للوعي الديموقراطي، أي أن الممارسة هي الأساس، وهناك نقاط عدة يجب مراعاتها في هذا الخصوص: أولاً: ضرورة الاتفاق حول إمكانية تعايش أفراد المجتمع بصورة تحفظ للجميع حقوقهم. ثانياً: الابتعاد عن مقارنة أحوالنا بأحوال غيرنا من المجتمعات، لأن مكونات مجتمعاتنا تختلف تماماً عن غيرها، فلدينا العائلة والقبيلة والطائفة... الخ، فهي بالتالي مكونات الاتفاق المرجو والمطلوب. ثالثاً: اخراج الديموقراطية من بؤرة الوعي العربي بصورتها الحالية وإدخال مصطلح التعايش. لقد أصبحت الديموقراطية لدينا مقترنة بجو مخملي فاخر وبمحاضرين يحملونها في حقائبهم من منتدى الى آخر، وبالتالي تكوّن وعي جديد لدى العامة بأن هؤلاء هم دعاة العقيدة الجديدة، وهذا شرك جديد تفرزه العولمة. رابعاً: التعامل مع الديموقراطية على أنها عقيدة لا يخدم الشعوب بقدر ما يخدم الأنظمة، لأن عدم تحقق هذا المثال هو أمر طبيعي يعني الابقاء على الواقع بشكله وصورته الحاليين وهو ما أورثنا المصائب والمحن. * كاتب من قطر