من بنود"الحوار اللبناني"المتواصل، بند سلاح المقاومة المرتبط بتحرير مزارع شبعا التي تحتلها اسرائيل، وهو ربما البند الأصعب الذي سيكون على طاولة الحوار بعد الفروغ من بند رئاسة الجمهورية. هنا مقاربة لمصير هذا السلاح، ليس بالمعنى المادي بل بالمعنى البشري. يعرَّف الحرس الوطني بأنه نوع من الجيش الرديف غير المحترف وغير النظامي. فهو يُنشأ عادة ليكون سنداً للجيش النظامي المحترف، لكنه يختلف عن هذا في انه لا يدرب تدريبه، ولا يسلح تسليحه، ولا تسند اليه مهماته القتالية الكاملة. ونظام الحرس الوطني ليس بالبدع، ولا بالجديد كل الجدة، بل هو نظام معروف في القاموس العسكري، ومعمول به في دول كثيرة. اما فكرتنا هذه، فكرة انشاء حرس وطني لبناني، فقد ولدت بعيد تفاهم تموز 1993. يبدو ان لبنان عرف تجربة الحرس الوطني، وعاشها لأيام معدودة في أزمة الاستقلال عام 1943، فعلى اثر اعتقال رجالات الدولة اللبنانية رئيسي الجمهورية والحكومة والوزراء وأحد النواب، أنشأت الحكومة الوطنية الموقتة في بشامون، يوم 12 تشرين الثاني نوفمبر 1943، حرساً وطنياً، وعيّنت الكولونيل فوزي طرابلسي قائداً له. الاسباب الموجبة لمشروع الحرس الوطني كثيرة، يمكن إجمالها في 12 سبباً: 1- لا يجوز ان يلتقي سلاحان، أو أن يعمل على ارض واحدة سلاحان، احدهما شرعي نظامي يسدد ثمنه المكلف اللبناني، والآخر غير شرعي وغير نظامي، وإن يكن قد اكتسب بعض"المشروعية"الشعبية التي فرضت نفسها او فرضها الواقع على الأرض. فمتى التقى سلاحان لا تأمرهما قيادة واحدة، تعارضت مهمتهما وتصادما إن عاجلاً وإن آجلاً. 2- السلاح الفردي في اليد سلاح ذاتي، ولأنه ذاتي صرف بات محكوماً بالنزوة الفردية، غير منضبط، وغير خاضع لرقابة الدولة. 3- يمتاز الوطن المسلح عن أخيه أو جاره غير المسلح بأنه الأقوى والألمع، لأن السلاح"زينة الرجال". وطبيعي ان يتحول السلاح الفردي في اليد الى عامل أذى وإضرار بالمواطن، وربما استخدم لغرض شخصي لا صلة له بالمقاومة. فمَن يضمن اولاً عدم استعماله في غير موضعه؟ ومَن يضمن ثانياً حق الغير اذا ما استعمل وسبب ضرراً لهذا الغير؟ 4- ليس لعمل فردي، أياً كانت درجة مثاليته، ان يفرض نفسه على السلطة الشرعية، وينتزع منها شرعية متأخرة. 5- انتشار المقاومة المسلحة على رقعة من التراب الوطني يجعل الأمن في هذه الرقعة بيد قوى مسلحة غير نظامية، وغير قانونية، وغير شرعية، وتصبح هذه الرقعة تالياً خارج سلطة الشرعية. 6- لم يصدر عن الرئيس اللبناني أي مرسوم جمهوري يسمح بالمقاومة الشعبية أولاً، وينظم عمل المقاومة ثانياً، أياً تكن اهداف هذه المقاومة، بحيث يجيز لها حمل السلاح، ويمنحها صفتها القانونية. 7- لم يصدر عن مجلس النواب أي قانون ينظم المقاومة وعمل المقاومة، أياً كانت وأياً تكن اهدافها، بحيث يجيز لها حمل السلاح او يمنحها صفتها الشرعية. 8- طرحت إحدى الجهات المحلية شعار التناغم بين السلطة والمقاومة، وهو طرح في غير محله. فالمنطق العلمي لا يعرف التناغم، ولا يسعى وراء وهم اسمه التناغم، وحتى الآن لم يخترع احدهم موازين ومعايير لهذا التناغم. فكيف يكون التناغم؟ ما شروطه؟ وما علاماته؟ ومَن يناغم مَن؟ 9- استفاد بعضنا من تجربة المقاومة الفرنسية للاحتلال الالماني، وارتأى التشبه بها. بيد ان الامر مختلف تماماً، ولا مجال للمقارنة بين تلك والمقاومة الحاضرة في لبنان، الا اذا ارادت السلطة اللبنانية ان تنفي عن نفسها صفة"الشرعية"، وان تجيّرها لمصلحة حزب او تنظيم محلي او جهة خارجية، واذ ذاك لا يبقى لنا الا ان نسحب كلامنا ونعتذر. فالمقاومة الفرنسية نشأت يوم اصبحت الجيوش الفرنسية بأمرة حكومة فيشي التي كانت تتلقى أوامرها من المحتل الألماني. وهذا ما كان عليه"جيش الشرق"في سورية ولبنان، قبل انشقاق الوحدات والتحاقها بحكومة فرنسا الحرة في المنفى، أو بقوات"حركة التحرر الفرنسي"المتمركزة في الجزائر. وهكذا نشأت المقاومة الفرنسية يوم صودرت ارادة الجيوش الفرنسية، وباتت بإمرة القيادة العسكرية الألمانية. 10- لم يكن الجيش اللبناني قادراً، حتى العام 1978، على الانتشار بقوة وفاعلية على طول الحدود الجنوبية المعترف بها دولياً، وبعد العام 1978، على تخوم الشريط الحدودي المحتل. وحين حاول الانتشار ? ولو رمزياً ? مُنع من ذلك. فوجوده الفاعل على هذه الحدود قد يكلفه نصف قوته وعديده، وقد تكون الحاجة ماسةً اذ ذاك الى ثلاثة ألوية، أي بمعدل لواء مدعّم لكل قطاع من القطاعات الثلاثة. 11- يمكن التنظيم المسلح أن يجر القوى النظامية، عن قصد أو دونما قصد منه، الى حرب مع العدو، تكون غير مدروسة، وغير متكافئة، وفي غير أوانها. 12- يمكن جيش العدو أن يستدرج ? عن سابق تصور وتصميم ? القوى العسكرية النظامية الى مواجهة مسلحة من طريق استدراج المقاومة الى مناوشات يتسع مداها لتشمل الجيش أو القوى النظامية. "حيثيات"المشروع استمدت هذه النسبة غير الفصيحة من"حيثيات"القضاء. وپ"الحيثيات"التي استعضنا منها بتعبير"لما كان..."لا تخرج كثيراً عن دائرة الأسباب الموجبة، لكنها مقدمة فقهية أكثر آنيةً وأوثق ارتباطاً بنتائجها. ونجمل"حيثيات"مشروعنا هذا في سبع نقاط: لما كان لبنان يواجه، عند حدوده الجنوبية، دولة معادية أعلن الحرب عليها، وخاض ضدها، سنة 1948، حرب الانقاذ التي انتهت الى اتفاق هدنة وقع في 23 آذار مارس 1949. ولما كان الجيش اللبناني يواجه، على الحدود الجنوبية، منذ العام 1948 وحتى العام 1978، جيشاً معادياً تحكم علاقته به اتفاقية الهدنة، ويفصل بينهما مراقبون دوليون، ولا سلام تاماً في ظل اتفاقية هدنة ما زالت موقتة وعارضة. ولما كان الجيش اللبناني يواجه، منذ العام 1978، جيشاً معادياً احتل رقعةً من أرض وطنه، وأقام عليها سلطةً محلية غير شرعية. ولما كان الجيش اللبناني، بقواه وقدراته المحدودة، غير قادر على مواجهة جيش العدو مواجهةً مباشرةً في حرب نظاميةٍ مفتوحة. ولما كانت المقاومة الفلسطينية قد اخترقت، من بداية السبعينات حتى سنة 1982، ولأسبابٍ عسكريةٍ حيناً وسياسيةٍ حيناً آخر، خطوط هذا الجيش الدفاعية آلاف المرات، ثم حلت محلها، بعد العام 1982، المقاومتان الوطنية والإسلامية. ولما كان"تفاهم تموز 1993"لم يوقف المناوشات العسكرية المتبادلة، لا في منطقة الشريط الحدودي المحتل، ولا في المنطقة المحررة المحاذية لهذا الشريط. ولما كان تفاهم نيسان 1996 قد حدد، في مقدمته العامة، أطراف الاتفاق باثنين، هما لبنان الرسمي واسرائيل، ثم أضاف في البند الأول ان"المجموعات المسلحة في لبنان لن تُنفِّذ هجماتٍ على اسرائيل بصواريخ الكاتيوشا أو أي نوع آخر من الأسلحة"النهار 27/4/1996. وفي ذلك دلالة واضحة على التزام لبنان الرسمي بنودَ هذا الاتفاق، على رغم عدم سيطرة قواه الأمنية أو النظامية سيطرةً تامةً على الأرض في الجنوب، وعلى المجموعات المسلحة العاملة هناك. لهذه الأسباب مجتمعةً، يصبح انشاء حرسٍ وطني لبناني أمراً مطلوباً. في الهيكلية والشروط والأهداف يُنشأ في لبنان بقرار من الجهة أو السلطة صاحبة الصلاحية لواء يُدعى"لواء الحرس الوطني"، ويرتبط مباشرة بقيادة الجيش، أو بقيادة سلاح المشاة، أو بالمديرية ذات الاختصاص في وزارة الدفاع. تُبنى هيكلية هذا اللواء، ويُنظم عمله، وتُحدد مهماته وأهدافه وفق الشروط الآتية: 1- عديده: ثلاثة آلاف حارس أو أربعة آلاف، ويمكن ان يصل العدد لاحقاً الى خمسة آلاف حارس. 2- عناصره البشرية: أ ? ضباط وضباط صف ينتدبون من القطعات العسكرية أو ألوية سلاح المشاة لقيادته وتدريبه. ب ? افراد متطوعون من غير الجنود النظاميين أو المحترفين. 3- سن التطوع فيه: بين الثامنة عشرة والأربعين من العمر أو الخامسة والأربعين كحد أقصى. 4- مدة التطوع فيه: حدها الأدنى خمس سنوات قابلة للتجديد. 5- صلته بخدمة العلم: يعفى من أداء خدمة العلم كل مدني تطوع في الحرس الوطني وكان من المطلوبين الى هذه الخدمة. 6- تدريبه: يكون باشراف هيئة التدريب أو مديرية التدريب في قيادة الجيش، ويخضع افراده لدورة تدريبية مدتها شهران أو ثلاثة اشهر. 7- تمويله: يكون من موازنة وزارة الدفاع، ومما يرده من تبرعات، على ان تمر عبر قيادة الجيش. 8- تسليحه: يكون من مستودعات وزارة الدفاع، ومما تتبرع به الجيوش العربية والصديقة، على ان يمر ذلك عبر قيادة الجيش. 9- عملياته العسكرية: تكون بأمر من القيادة العليا التي يرتبط بها مباشرة. وله استراتيجية اولى اساسية هي حماية حدود الوطن المعترف بها دولياً، والدفاع عن مواقعه، ومراقبة تحركات العدو، وأخرى ثانوية تقتضيها الظروف الحاضرة، وهي ان يكلف بمهمات أمنية محددة في منطقة الحدود الجنوبية. وفي مقابل ذلك، يحظّر، بأمر من القيادة، أي نشاط عسكري أو حربي آخر ضمن حدود منطقته الأمنية. 10- عقيدته: عقيدة وطنية محض. فيشترط في متطوعي هذا اللواء أن يكونوا لبنانيين فحسب، وأن يكون منطلقهم الاساسي في التطوع وطنياً صرفاً، أي ليس دينياً، ولا طائفياً، ولا مذهبياً، ولا سياسياً، ولا عقائدياً، ولا عصبياً، ولا عشائرياً، ولا إقليمياً. ويجب ان يمثلوا الوحدة الوطنية والانصهار الوطني بأروع صوره، وكل ما زاد على ذلك مرفوض. خلاصة ان مشروع انشاء حرس وطني لبناني، هو طرح يستوعب كل المقولات الأخرى، من اقصى اليمين الى اقصى اليسار. فمتى تحققت الفكرة، وأنشئ الحرس الوطني، انتفت الحاجة الى وجود تنظيم مسلح أياً كانت هويته ومثاليته. فيد الجيش الشرعي هي اليد الأمنية، والذراع الفولاذية التي لا تعلو عليها يد أو ذراع. فعلى الشعب أن يوفر التغطية المعنوية لقواه العسكرية النظامية، وليس لهذه القوى أن توفر التغطية لفئة من الفئات، او لقطاع من قطاعات الشعب. ولا يجوز أخيراً أن يشعر مواطن بأنه مبعد أو مستبعد، وأنه غائب أو مغيب عن أداء الواجب الوطني. * كاتب لبناني