تمر المجتمعات العربية الإسلامية اليوم بفترة تاريخية مهمة تتسارع فيها الأحداث وتتعدد فيها الرؤى وتختلف فيها الدعوات وتختلط فيها الأصوات وتزيد من حدتها الوسائل الحديثة في الاتصال والبث من خلال الفضائيات والصحف والانترنت وغيرها وإدارة هذه الوسائل بقدر كبير من المهنية العالية والعرض الجيد المشوق والانتشار على مجريات الأمور بسرعة مذهلة بحيث تواكب المقابلات كل حدث في وقته ومع أقرب الناس إليه. وهذا كله له جوانب إيجابية وأخرى سلبية فمن إيجابية هذه الوسائل في هذه المرحلة التاريخية توسع دائرة الثقافة عموماً والثقافة السياسية خصوصاً، حتى صحت مقولة من قال انه لم يعد في أمور السياسة شيء خفي على المتابع لوسائل الإعلام إلا ما يسمى بالوشوشة في الآذان أو النميمة، وان هذه الثقافة الواسعة وصلت إلى كل بيت واستفادت منها كل شرائح المجتمع وفئاته بلا استثناء، وجعلت هذه المعارف مشتركة بين الجميع، هذا إلى جانب إيقاف الناس على الأحداث اليومية في العالم ومعرفة ما فيها من حق وباطل وعدل أو ظلم، وزودته بمعلومات مختلفة يمكن بها ان يميز الناس بين معاملة وأخرى ويتبين منها اختلاف المعايير في الاحكام والمعاملات الدولية ويقدم من خلالها الكثير من الشواهد على اختلاف معايير التعامل بين الدول في مختلف القضايا، وان الحضارة الغربية وان أبدعت في الإنتاج المادي وأظهرت عبقرية في التقدم الصناعي والتكنولوجيا فإنها فقيرة في القيم والأخلاق وإقامة العدل ورفع الظلم ونصرة المظلوم، ولهذا فإن التاريخ سيكون أكبر شاهد على ان هذه الحضارة مادية جشعة لا يملأ بطنها حتى كل ماء البحر وان جمع المال واحتكار الأسواق المالية هو الهدف ولو كان على دماء وأشلاء المستضعفين، ولست في حاجة إلى ضرب الأمثلة وإجراء المقارنات بين مواقف الدول التي تمثل عماد هذه الحضارة المعاصرة إذ هو من الكثرة والشيوع بحيث يدركه عامة الناس ودهماء الشعوب وان هذه الدولة العظيمة التي تتصدر قيادة العالم اليوم لا تبالي بدموع ودماء الشعوب المستضعفة وان المواقف الدولية تتخذ وفق المصالح المادية والأهواء والاستراتيجيات العامة التي تهدف إلى تحقيق أهداف عامة توصل إلى المنافع المادية غير عابئة بما يعترض تنفيذها من مظالم ودموع ودماء وأشلاء الشعوب. وفي هذه المرحلة التاريخية وبهذه الوسائل الإعلامية الحديثة كشف الغطاء عن السياسة الدولية وظهرت كل الحقائق والمعلومات والتي الكثير منها لا يسر الدول والشعوب في العالم الثالث والتي كانت معرفتها في الماضي من اختصاص فئة قليلة بل نادرة من رجال السياسة والحكم وأصبح الجميع شركاء في العلم بها ولا بقاء لاحترام رأي شعب في هذا العالم الحديث إلا القوة والحكمة والتميز في تناول القضايا والأحداث. ومع هذه الإيجابيات الجيدة والتي قد لا تكون بعض مفرداتها مريحة للضمائر الحية ولا محققة للعدل بين الناس فإن سلبيات هذه المرحلة الحاضرة وبتأثير من الوسائل الحديثة خلق فجوة بين دول العالم الثالث وشعوبها والضرب على ناقوس خطر التنازع بينها والذي به إضعاف الدول القومية وإضعاف شعوبها معاً وخلق فرص واسعة للابتزاز والتسلط من الدول الكبرى على الدول الضعيفة من خلال إيجاد ودعم المعارضة في كل دول العالم الثالث حتى تخضع لمطالب الدول الكبرى الجائرة. هذا إلى جانب خلق النزاعات بين شرائح المجتمع الواحد على أسس عرقية أو دينية أو مذهبية أو حزبية أو طائفية لإضعاف الشعوب نفسها وتهيئتها لقبول الابتزاز أو الاستعمار وإزهاق روحها وزرعها روح الكراهية بين أفراد المجتمع الواحد حتى لا يلوي أحد على أحد ولا يناصر أحد أحداً والتحضير لفتن المحلية بتهيئة المناخ المناسب للقوى الدولية لاقتسام مصالح البلاد النامية وسلبها أعز ما تملك من وسائل القوة والمنعة وإضعاف روح التعاون والتناصر على الأعداء الطامعين. ولهذا فإن شعوب ودول العالم الثالث مدعوة لإدراك هذا الخطر وأهمية التعاون ورص الصفوف وحماية الأوطان. * كاتب سعودي